يوماً بعد يوم تزداد حدة الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية بين مرشحي الرئاسة الديمقراطية كامالا هاريس نائبة الرئيس الحالي جون بايدن والجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب. تدور معركة طاحنة بين المرشحَين حول إقناع الناخب الأمريكي أيٌ منهما أجدر بحكم الولايات المتحدة لفترة السنوات الأربع القادمة ابتداء من العشرين من يناير 2025.
الخطاب الانتخابي لكلا المرشحَين يركز، بصفة عامة، على ما يهم الناخب الأمريكي، وتأتي في المقام الأول القضايا الاقتصادية، من تضخم وبطالة وركود وكل ما له علاقة بدخل المواطن الأمريكي وفيما ينفقه. وتأتي بعد ذلك قضايا الرعاية الصحية وتكلفة التعليم، بالذات الجامعي. أما قضايا السياسة الخارجية فهي لا تعني للمواطن الأمريكي شيئاً كثيراً.
استطلاعات الرأي لا نستطيع استخدامها من الآن لاستشراف من هو الرئيس القادم للولايات المتحدة (المرشحة الديمقراطية أم المرشح الجمهوري). فاستطلاعات الرأي، رغم تقدم أدواتها، إلا أنها ما زالت قاصرة عن الكشف المبكر الدقيق عن خيارات الناخب الأمريكي السياسية، لأيهما سيعطي صوته. كما أن مزاج الناخب الأمريكي، خاصةً ذلك الذي لم يحدد بعد خياراته التصويتية، تفسر التفاوت في مخرجات الاستطلاعات وتذبذب نتيجتها، من استطلاع لآخر.
لكن، كقاعدة عامة: هناك ولايات محسومة لمن تذهب أصواتها. نيويورك وكاليفورنيا من أكبر الولايات ثقلاً انتخابياً في عدد المندوبين الانتخابيين. هاتان الولايتان تصوتان تاريخياً للمرشح الديمقراطي. أما ولايات مثل تكساس وولايات الجنوب مثل: كارولاينا الجنوبية والمسيسيبي وألباما وفرجينا الغربية.. وكذلك ولايات الوسط الغربي مثل: مونتانا وأيداهو ويوتا، فتصوت عادةً للمرشح الجمهوري. وتبقى ما تسمى بالولايات المتأرجحة التي ليس لديها تاريخياً توجه حزبي واضح، مثل ولايات بنسلفينيا وميتشجان وأهويو وأريزونا ومنيسوتا، ينصب عليها تركيز كلا المرشحين لاستمالتها التصويت لصالحه.
الخطاب السياسي في هذه الحملات الانتخابية عادةً ما يكون عنيفاً لا يتوقف عند سقف تُراعى فيه معايير الألفاظ والعبارات المهذبة، لكن قد ينجر كلا المرشحين لمستويات دنيا من البذاءة والشخصنة وكَيْلِ الاتهامات جزافاً للخصم، بل حتى الوصول إلى إشاعة الفضائح والخوض في سيرة المرشح الخصم والنيل من ذمته المالية، وسلوكه، وخبايا تاريخه، وفضائحه.
كل ذلك يبدو متوقعاً، بل مشروعاً في الحملات الانتخابية، التي تزداد وتيرتها مع الاقتراب من يوم الاقتراع. لكن ما ليس مسموحاً، كالتشكيك في العملية الانتخابية والادعاء بعدم نزاهتها والقول بتزويرها مسبقاً وعدم الاعتراف بنتيجتها ما لم تكن في صالح المرشح، فإن هذا يُعد طعناً في العملية الانتخابية وتوجهاً سلبياً ضد فكرة الانتخابات نفسها، بل وتحريضاً مبطناً ضد آلية التداول السلمي للسلطة، التي هي تاج الممارسة الديمقراطية.
شيءٌ آخر غير مقبول، بل ومستهجن في الحملات الانتخابية، عندما يوجّه المرشح نقده أو إساءته لفئة معينة في المجتمع، كأن يستشف من خطابه معاداة للسامية، أو يأتي في خطابه ما ينال من الخلفية الثقافية والاجتماعية والدينية والعرقية لفئات من المجتمع، أو يُشتّم من خطابه الانتخابي نبرة عنصرية أو فاشية. هذه جميعها محظورٌ على المرشح لأي منصب عام في الولايات المتحدة أن يقترب منها أو يتجاوز حدودها الفاصلة.
جميع تلك المحظورات في الخطاب الانتخابي للمرشح الجمهوري لم يتورع عن الإفصاح عنها الرئيس السابق دونالد ترمب، حيث يُعد عدواً شرساً للعملية الانتخابية ولآلية التداول السلمي للسلطة. توجه شمولي لا يُخفي إظهاره.
أخطر ما يردده الرئيس السابق ترمب في حملته الانتخابية هذه، ما كان يردده في حملته الانتخابية الأولى 2016، بالزعم: من أن نتيجة الانتخابات لو لم تأتِ لصالحه، فلن يعترف بها، مؤكداً الزعم بتزويرها! نفس الزعم كرره عندما لم يفز بانتخابات 2020 الماضية، وكاد يُودي بالبلاد لكارثة سياسية وأمنية، عندما حرض أنصاره (6 يناير 2021) باقتحام الكونغرس لوقف إعلان الرئيس الحالي جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة. بل زاد على ذلك قوله: إن هذه الانتخابات القادمة ستكون آخر انتخابات تجرى في الولايات المتحدة!؟
المهم والأخطر: في الانتخابات الرئاسية القادمة، إذن: ليس معرفة من يكون الرئيس القادم للولايات المتحدة، بل ما الذي يحدث في البلاد لو أن الرئيس السابق دونالد ترمب لم يفز بها، وبالتالي: لم يعترف بنتيجتها. هل ستحدث فوضى في البلاد؟!
سيناريو رهيب يبشّر به الرئيس السابق دونالد ترمب لمستقبل الولايات المتحدة، وربما لسلام العالم وأمنه، إذا لم يفز بالانتخابات القادمة، بعد أكثر من 250 عاماً من الممارسة الديمقراطية الفعّالة والمستقرة.