لطالما تأتي الأماكن المتكلفة ثقيلة على روحي، وأحسب الثواني وألتقط أنفاسي الثقيلة واحدة تلو الأخرى مع الناس المتكلفين، المبالغين في كل شيء، وأراني دائماً في الأماكن الأنيقة البسيطة والناس المزهرة دوماً، وتسعدها الابتسامة الخجولة العابرة والكلمات الرقيقة الآسرة، فكما قال الشافعي: «أثقل أخواني على قلبي؛ من يتكلف لي، وأتكلف له، وأحب أخواني إلى قلبي؛ من أكون معه، كما أكون وحدي».
لذلك ليتنا ونحن مقبلون على مناسبات التخرج لإخواننا وأبنائنا وبناتنا أن نركز على كيف نسعدهم ونشعل مشاعر الفرح في نفوسهم ذاكرة ممتدة حتى آخر العمر عوضاً عن التركيز على البذخ والمبالغة في إعداد حفلاتهم بصورة متكلِّفة ومكلِفة، كل ذلك لكي يصبح احتفالنا بهم مجرد واجهة اجتماعية نريد أن (نهايط) بها أمام محيطنا، وبذلك سينحرف مفهوم الاحتفال عن مساره الصحيح المتمثل في تعزيز النجاح والإنجاز إلى تقديم قيم مصطنعة بدافع المباهاة أمام الآخرين والتقليد الأعمى.
فالمقصد الحقيقي والغاية السامية من قيمة إقامة احتفالات التخرج هو الاحتفاء بأبنائنا وإدخال البهجة إلى قلوبهم في إطار أسري مُفعم بالحب والاحتواء؛ ليشعروا بثمرة جهدهم طيلة العام، وأن يثقفوا جيداً أن درب الجد والاجتهاد نهايته الفرح، وأن يستشعروا لذة الراحة بعد التعب الشديد ومسيرة المثابرة، وأن يدركوا القيمة الحقيقية لمعنى الشغف والفرح العميق.
احتفالات التخرج فرصة لكي نغرس في نفوسهم حب العطاء وبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إلى النجاح، فرصة أيضاً ليعلموا بأن كل إنسان مسؤول عن قرار صناعة حياته واختيار النتيجة.. إن الحياة إنجاز يتحقق بالمعنى الحقيقي للإنجاز وليس بالمعنى الظاهري الذي نراه في شكل التكلف والمبالغة.
ختاماً.. علموا أولادكم كيف يعيشون من أجل الاستمتاع بما يحققون وليس من أجل الاستمتاع بالقشور.. علموهم المعنى الحقيقي للفرح والحياة.