كغيره من النوارس التي سبقته، قرر الرحيل إلى فضاء أوسع يستطيع فيه ممارسة حلم التحليق إلى أعلى بطموحه وموهبته.
وكغيره من الذين أدركوا مبكراً أن أحلامهم تتجاوز تلك المدينة الصغيرة آنذاك، كان لا بد أن يغامر بالرحيل منها إلى ضجيج وزحمة المدينة الكبيرة، التي إما تتوهج فيها أو تنطفئ، وكان يعرف أن شعلة الموهبة المضطرمة في داخله سوف تضيء أكثر، وتتوهج أكثر، لأنه مؤمن بها وقادرٌ على تزويدها بوقود المعرفة والاكتشاف.
غادر أحمد عائل فقيهي (رحمه الله) مدينته جازان بعد أن سجل حضوراً مبكراً فيها من خلال شغفه بالقراءة والاطلاع ومخالطة المثقفين الكبار والاستفادة من تجاربهم والمشاركة في الفعاليات الأدبية المتنوعة، ثم تدشين البدايات لشاعر جميل وأنيق وعميق.
وصل أحمد إلى جدة، المدينة المكتظة بكل شيء، التي يصعب أن تجد فيها موطئ قدم؛ إذا لم تكن تملك الموهبة الحقيقية والإصرار والصبر، والقدرة على تطوير الذات، وذلك ما أتقنه أبو وليد، ليكون له صوته الخاص المنتشر داخلاً وخارجاً.
في الصحافة الثقافية أمضى أحمد عائل زمناً طويلاً بصحيفة «عكاظ»، من خلال زاويته الرشيقة، وحواراته مع مثقفي العالم العربي، وقراءاته العميقة للمنتج الفكري والأدبي. وفي الشعر كان له حضور بارز ومشاركات مهمة في المنابر العربية، ولا يمكن تجاوز اسمه عند رصد مرحلة مفصلية في تأريخنا الشعري الحديث، المحلي والعربي.
لكن هناك ما هو أهم وأعمق من كل ذلك، الإنسان البسيط العفوي، والقادر في نفس الوقت على فلسفة الأشياء بطريقة مذهلة في سخريتها. كل زملائه في «عكاظ» وخارجها، وكل أصدقائه الكُثر يتذكرون جيداً كيف كان يلتقط اللمحات والمواقف والأحداث العابرة ليحولها إلى مقولات لا تُنسى.
عانى أحمد كثيراً في مرضه، لكنه لم يفقد روحه الجميلة حتى في أقسى لحظات الوجع، وها هو يغادر الدنيا تاركاً لنا ذكريات ستظل نابضة في أرواحنا، وإرثاً ثقافياً وشعرياً عذباً كعذوبة روحه، رحمه الله.