واحد من أهم الأحداث التي أسهمت في تشكيل المشهد الاقتصادي والسياسي في القرن العشرين والتي ما زال يذكرها التاريخ إلى يومنا الحاضر هو الكساد العظيم في العام 1929، اختلف الاقتصاديون حول جذور الأسباب التي قادت لهذا الحدث التاريخي، إلا أنهم يتفقون على أن شدة وطول أمد ذلك الكساد دٌعم بواسطة انهيار أسواق الأسهم بسبب فقاعة المضاربة التي غذتها الاستثمارات والائتمان المتهور في ذلك الوقت، وعجز المنظمون عن كبح جماحها المفرط. ونتيجة لذلك، تدمرت ثقة القطاعين الاستهلاكي والاستثماري مما أدى إلى محو مدخرات واستثمارات الملايين من الأمريكيين. وحتى تتضح الرؤية، أدت انهيارات السوق إلى تآكل كبير في ثقة المستثمرين وتحول في المشاعر من التفاؤل إلى الخوف وعدم اليقين.
استحوذ الارتفاع السريع في قيمة الأسهم والقدرة على تحقيق مكاسب كبيرة من خلال الاستثمار على خيال الجميع سواء كانوا من عامة الناس أو النخب الثقافية، حتى أصبح الحديث حول نصائح الأسهم وإستراتيجيات الاستثمار واتجاهات السوق هو المسيطر على أحاديث الناس، لدرجة أن بعض طبقات المجتمع التي كانت تترفع عن الحديث عن المال بين العامة انغمست في هذا الجانب. باختصار، هيمنت مناقشات سوق الأوراق المالية في تلك الحقبة على كافة أطياف المجتمع، وكانت بمثابة تذكير واضح بالانفصال بين النظام المالي والنسيج الاجتماعي والاقتصادي الواسع للمجتمع.
بنفس الأدوات التي غذت انهيار سوق الأسهم الأمريكي كالمبالغة في تقدير قيمة الأسهم وفقاعة المضاربة، والاستخدام الواسع النطاق للتداول بالهامش، والافتقار إلى الرقابة التنظيمية في ذلك الوقت، شهد السوق السعودي للأسهم انهياراً مفاجئاً ودراماتيكياً، حيث انخفض مؤشر TASI بأكثر من 50% من ذروته في فبراير من العام 2006. كلنا نتذكر كيف كان سوق الأسهم موضوعاً رئيسياً للنقاش والانبهار واستحواذه على هوس النخبة وعامة الناس سواء في الأفراح أو الأتراح أو بعد كل صلاة.
على الرغم كون سوق الأسهم السعودي على وجه الخصوص شهد تطورات إيجابية في جوانب الحوكمة والشفافية في السنوات الأخيرة، إلا أن الهدف من وراء مقارنة هذين الحدثين هو استخلاص الدروس والعبر من الأزمات الاقتصادية والمالية السابقة لتجنّب تكرارها في المستقبل وذلك بعد مرور أكثر من 75 عاماً بين هذين الحدثين. علاوة على ذلك، المقارنة بين الأسباب والظروف المحيطة بكل أزمة سيساعد في فهم ديناميكيات الأزمات الاقتصادية بشكل أعمق والتأكيد على أن فقاعة المضاربة وغياب القوانين والأنظمة سابقاً هي العنوان العريض لكلا الأزمتين.