تستقبل المملكة العربية السعودية كل عام على أراضيها الملايين من المعتمرين والحجاج القاصدين لبيت الله في مكة المكرمة ومسجد الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام في المدينة المنورة، وتصل هذه الحشود لذروتها خلال موسم الحج حين يتوافد إليها الملايين من الحجاج من الداخل والخارج لأداء فريضة الحج، ومن الصعوبة بمكان اختزال الجهود الضخمة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية لخدمة الحجيج في بضعة سطور فحسب؛ لأن كافة مرافق الدولة تكون وقتذاك في حالة استنفار كاملة على مدار الساعة خلال موسم الحج لتنظيم وخدمة الحجيج بأفضل صورة ممكنة.
تبدأ خدمة الحجاج منذ أن تطأ أقدامهم أراضي المملكة، وعندها تتحول كافة احتياجات كل حاج كالنقل والصحة والسكن والحصول على المواد التموينية لتصبح مسؤولية المرافق السعودية الرسمية المسؤولة عن ذلك، ومن المؤكد أن تنظيم هذه الحشود المليونية يحتاج إلى إعداد مسبق يسبق وصول الحجيج للمملكة بأشهر عدة، وبلا شك يعد البعد الأمني وتأمين الحجاج أحد أهم التحديات المهمة التي تواجه الدولة، وهى المسؤولية التي تبدأ منذ أن تطأ أقدام الحجيج أراضي المملكة وحتى يغادرونها عائدين إلى أوطانهم الأم، فخلال تلك الفترة تضطلع الدولة بمسؤولية رعايتهم وحمايتهم من أية أخطار أو شغب قد تقوم به بعض الفئات التي تتربص بالمملكة بغية استغلال موسم الحج لتحقق أهداف أجندتها المشبوهة.
تستقبل المملكة الحجيج من العديد من دول العالم، والذي يعتبر الكثير منهم الحج أمنية العمر ولاسيما هؤلاء الذين لا تتوافر لديهم المقدرة المالية للقيام به أكثر من مرة، ولذلك فإن كل حاج يتوقع أن يؤدي فريضة الحج بيسر وسلامة وطمأنينة وينتظر من حكومة المملكة توفير ذلك له بالجودة المطلوبة، ومن المؤكد أن إدارة هذه الحشود المليونية تتطلب توافر قدر ملائم من الحزم والصرامة للتصدي لكل من تسوّل له نفسه العبث بأمن هؤلاء الحجيج الذين غدوا مسؤولية حكومة المملكة طيلة فترة تواجدهم على أراضيها، فحماية الحجيج وتأمين وجودهم هي مسؤولية أمنية أولاً وأخيراً.
المتتبع للتصريحات التي أدلت بها وزارة الداخلية قبل موسم الحج وخلاله يلاحظ أنها تركز على بعدين مهمين للغاية؛ الأول منهما هو التحذير من استغلال موسم الحج لترديد شعارات سياسية قد تتسبب في إحداث فوضى أو تؤدي للإخلال بأمن الحجيج، فالنار تأتي من مستصغر الشرر، ومن المعروف تماماً أن ترديد الشعارات السياسية ليس بالأمر العشوائي العفوي، بل هي سياسة خبيثة مخطط لها من الخارج من قبل بعض الأطراف التي تأمل في استغلال موسم الحج بهدف المزايدات السياسية.
المملكة ليست حديثة العهد في تنظيم موسم الحج؛ فخبراتها المتراكمة عبر عقود طويلة أوضحت لها بما لا يدع مجالاً للشك وجود أطراف تظل تخطط وتتآمر بهدف إظهار المملكة وكأنها عاجزة عن إدارة تلك الحشود المليونية الضخمة، واستغلال موسم الحج لفرض أيديولوجيتها الخبيثة على الحجاج المتوافدين على المملكة من كافة أرجاء العالم، ولهذا فإن التحذيرات الصارمة التي تصدرها المملكة عبر وسائل إعلامها تهدف للتأكيد على الجميع بأنها جادة تماماً في تطبيق الإجراءات القانونية ضد كل من تسوّل له نفسه العبث بأمن الحجيج.
أما البعد الثاني في تصريحات الجهات السعودية الأمنية المختصة فيتلخص في ضرورة حصول كافة الحجاج على تصريح الحج، وهذا الشرط ضرورة أملاها وجود ما يقرب من مليوني حاج من الداخل والخارج داخل أراضي المملكة، ومن الملاحظ أن هذا الشرط ينطبق على السعوديين أيضاً وليس على حجاج الخارج فحسب، والتساهل في حيازة تصريحات الحج يعني اكتظاظ المشاعر المقدسة بأعداد هائلة من البشر، مما يعني بالضرورة التأثير سلباً على جودة وعدد الخدمات المقدمة للحجاج النظاميين، فالتزاحم والتكدس سيتسببان في فوضى تطال كافة المرافق من نقل وسكن وأمثالهما، فالحجاج غير النظاميين يُحمّلون الدولة جهوداً مضاعفة ويؤثرون بالسلب على الحجاج النظاميين مما قد يتسبب في تدهور الخدمات للجميع.
بفضل الله أثبت الحزم التام في تطبيق هذه الإجراءات تسهيل مناسك الحج للحجاج هذا العام، وهو ما أدى لنجاح موسم الحج هذا العام وذلك بشهادة الحجيج أنفسهم ممن أكدوا أن تأديتهم لمناسك الحج لم تصاحبها أية مشاكل من أي نوع سواء كانت صحية أو أمنية، وهو ما يعني نجاح الدولة عاماً تلو العام نجاحاً منقطع النظير في إدارة موسم الحج كعهدها دائماً، كما يعني ضمناً فشل الأطراف الخارجية المشبوهة في تحقيق أهدافها الخبيثة في زعزعة استقرار المملكة أو منعها من أداء واجبها المشرف تجاه ضيوف الرحمن كما ينبغي.