دعا مواطنون إلى تحرُّك الجهات الرقابية لملاحقة المتسببين في تخريب مرافق محطات حافلات نقل الركاب بالعاصمة المقدسة، واتفقوا على ضرورة تزويد المحطات بكاميرات المراقبة. وتجولت «عكاظ»، على بعض تلك المواقع، ورصدت بالصورة ملامح تلك الأعمال الصبيانية التي يرفضها المجتمع في مكة المكرمة.
يقول نافع السلمي: «لم تمض سوى أيام معدودات على تجهيز محطة تجمع الركاب المجاورة لمنزلي حتى امتدت إليها أيادي المراهقين، وقاموا بتكسيرها دون سبب عن تصرفهم الغريب، فلا بد من تكثيف الحملات الإعلامية لتوعية الشباب بالمحافظة على الممتلكات العامة».
ومن موقع آخر، ناشد عبدالله اللحياني، الجهات المشغلة لمحلات نقل الركاب بمكة المكرمة بتزويد هذه المرافق بكاميرات أمنية تعمل على مدار الساعة؛ لرصد كل معتدٍ وإيقاع العقوبات الرادعة للحد من تزايدها وانتشارها والحفاظ على ما تبقى من تلك المحطات.
أما بدر الحازمي فقال: «ثمة شعور يخالجني وأنا أرى اللوحات الإرشادية محطمة بلا ذنب اقترفته، لا بد من استبدال الإطارات الزجاجية بمادة بلاستيكية تمنع كسرها وإتلافها وإيقاع أشد العقوبات على كل يدٍ عابثة بالمرافق العامة».. وذات حال المحطات تنطبق على مرافق عامة أخرى تطالها أيادي العابثين.
عبث في البراري
المتحدث باسم أمانة العاصمة المقدسة قال: إن الأمانة وضعت الأنظمة والقوانين للمحافظة على المرافق وضمان بقائها بصورة حسنة، كما نفذت العديد من المبادرات والحملات التوعوية للتعريف بأهمية هذه الحدائق والمرافق العامة وكيفية استخدامها بالشكل الصحيح وعدم تخريبها والمحافظة عليها لتكون متنفساً لأفراد المجتمع، كما تقوم الأمانة بوضع اللافتات واللوحات التوعوية لزرع القيم والسلوكيات الصحيحة، فهو واجب وطني وديني وأخلاقي يتحتم علينا أن نتكاتف لتكون مسؤولية الجميع. وأشار إلى أن الأمانة في بعض الأحيان تقوم برصد بعض الملاحظات والمخالفات، وفي هذه الحالة يتم تطبيق الإجراء النظامي على المخالفين، برقم هوية المخالف وتطبيق الغرامة المنصوص عليها في النظام.
وبين الزيتوني، أن جهاز الأمانة يعتزم خلال الفترة القادمة تركيب كاميرات مراقبة في الحدائق العامة، وتم إدراج دراسة المشروع بخطة 2024م، وتم تحديد عدد من المواقع للبدء فيها كمرحلة أولى، والمتابعة من خلال غرفة مراقبة مخصصة ومزودة بكافة التقنيات، كما سيتم ربطها مع الجهات الأمنية المعنية.
كاميرات في الحدائق
الناشط البيئي فايز السريحي، يؤكد أن أكثر من يدمر البيئة البرية قلة الوعي لدى بعض الأسر بالإسراف في إلقاء مخلفات الرحلة دون جمعها، مشيراً إلى كمية المواد البلاستيكية المنتشرة في أرجاء البرية. وأشار إلى ضرورة التوعية بالمحافظة على المتنزهات الطبيعية وتطبيق العقوبات الرادعة على كل من يحاول العبث بها وتشويهها.
ويؤكد المتحدث باسم أمانة العاصمة المقدسة أسامة زيتوني، أن الحدائق والمتنزهات العامة تعد من المرافق المهمة بهدف خلق بيئة نظيفة ومتنفس للأهالي وإيجاد أماكن مهيأة ومناسبة لقضاء أوقات ممتعة للترفيه والاستمتاع.
وأبان أن الأمانة تحرص على تجهيز هذه الأماكن بكل ما يلزم من كراسي الجلوس والاستراحة وألعاب أطفال وأجهزة ممارسة التمارين الرياضية كالركض والمشي ومرافق جمالية متنوعة، التي تسعى من خلالها إلى الارتقاء بجودة الحياة.
ويعتبر وجود هذه الخدمات أمراً لا بد منه، كونها تشكل متنفساً للأهالي ورئة طبيعية للمدينة من خلال الأشجار والنباتات التي تضفي على المكان صورة حضارية وتشكل فرصة لاستنشاق الهواء النقي.
مضاعفة العقوبة في هذه الحالة
المحامي والمستشار القانوني ماجد الأحمري عن إتلاف الطرق العامة يقول: إن المادة الخامسة نصت على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تتجاوز 100 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل من تعمّد إتلاف أيٍّ من تمديدات أو منشآت المرافق العامة أو تعمد قطعها أو تعطيلها؛ سواء أكان الفاعل أصلياً أو شريكاً. فيما نصت المادة السادسة على أنه يعاقب بغرامة لا تتجاوز 100 ألف ريال كل من تسبب في إتلاف أيٍّ من تمديدات المرافق العامة أو قطعها أو تعطيلها، فإن كان المتسبب في ذلك مقاولاً فإنه يجوز منع التعاقد معه مستقبلاً مدة لا تزيد على ستة أشهر، كما يجوز في حالة العَود أن يحكم بمنع التعاقد مدة تزيد على الحد الأقصى المقرر، على ألا تتجاوز المدة المحكوم بها ضعف هذا الحد. وتنشر في الصحف المحلية العقوبات المحكوم بها على نفقة المحكوم عليه.
وأشار إلى أن المادة السابعة من النظام ذاته تضمنت نص معاقبة بغرامة لا تتجاوز 50 ألف ريال؛ كل من يتعدى على منشآت المرافق العامة أو شبكاتها بقصد الاستفادة من خدماتها بطريقة غير مشروعة، وكذا كل من يتعدى على السكك الحديدية أو الطرق العامة أو حرمها باغتصاب جزء منها أو إقامة منشآت عليها من أي نوع كان، أو إحداث قطع أو حفر في سطحها أو أكتافها أو ميولها أو مواقفها، أو أخذ أتربة منها، أو إتلاف الإشارات أو العلامات الكيلومترية الموجودة بها، أو الأعمال الصناعية المنفذة لها كالجسور والأنفاق وغيرها.
مضيفا بأن المادة التاسعة تضمنت الغرامة التي لا تزيد على ألفي ريال على كل مستفيد من خدمات المرافق العامة يسهّل للغير الاستفادة منها بطريقة غير مشروعة. وبينت المادة العاشرة أنه في حالة العَود إلى ارتكاب أيٍّ من المخالفات المنصوص عليها في هذا النظام، يجوز أن يُحكم بأكثر من الحد الأقصى المقرر للغرامة، على ألا يتجاوز ضعف هذا الحد.
المُتلف يتحمَّل المسؤولية
المستشار القانوني الأحمري، أكد أن العقوبة تطال إتلاف الممتلكات العامة والمرافق كالحدائق ومحطات الحافلات وتختلف الممتلكات العامة عن الخاصة بأنها متاحة للجميع، ومن الأمثلة الشوارع، والمتنزهات، المكتبات، المستشفيات، المدارس، والجامعات، وأي شيء يعود ملكيته إلى الدولة. وتضمن نظام حماية المرافق العامة 15 مادة؛ من أبرزها المادة الثانية التي نصت على أنه يتعين قبل القيام بأي عمل من شأنه التأثير على شبكات ومنشآت أي مرفق من المرافق العامة؛ الحصول من الجهة المختصة على المخططات والتعليمات الخاصة بذلك المرفق، ويجب أخذ أقصى الاحتياطات التي تضمن حمايته وعدم توقف خدماته عن أي مستفيد منه، وفي حال إلحاق ضرر بأي مرفق يجب على المتسبب إشعار الجهة المعنية بهذا المرفق.
والمادة الثالثة، شددت على أن على الإدارات والشركات المعنية بإدارة كل مرفق اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحمايته وتوعية الغير بما يجب عمله لضمان سلامة شبكات المرفق ومنشآته. وعليها تقديم مخططات المرفق والتعليمات المعدة لحمايته إلى من يطلبها من ذوي العلاقة خلال مدة لا تتعدى 15 يوماً من ورود الطلب إليها، وتكون مسؤولة عن صحة التعليمات والمخططات التي تقدمها.
وبين القانوني الأحمري، أن المادة الرابعة نصت على إدارات وشركات المرافق العامة بالتنسيق في ما بينها بما يخدم حماية كل مرفق وضمان إصلاح أي ضرر يتعرض له بأقصى سرعة ممكنة، وعليها من أجل ذلك الإعلام عن المسؤول لديها الذي يمكن الاتصال به في أي وقت.
عقد اجتماعي صريح وضمني
استشاري أول الطب النفسي مدير عام مركز خبراء النفس بجدة الدكتور محمد الحامد، أكد أن إتلاف الممتلكات العامة وتخريب الطبيعة البرية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمستوى الثقافي للفرد والمجتمع وبالحس العالي بالمسؤولية والبعد المعرفي لدى الفرد. وأبان أنه من المعروف أن الحفاظ على الممتلكات عقد اجتماعي صريح، والحفاظ على الحياة البرية عقد اجتماعي ضمني أحياناً وصريح أحياناً أخرى.. لكن مثل هذه الأمور مرتبطة بالمستوى الثقافي للفرد الذي متى ما تدنى تدنت معه كل إمكانية للالتزام وللرقي الحضاري، وتعد مثل هذه الأمور مقياساً قوياً لما وصل إليه الفرد ومن بعده المجتمع في السلم الحضاري.
يواصل الحامد: «هنا أتحدث عن الأمور في إطارها الطبيعي مستثنياً بحديثي هذا وجود اضطرابات نفسية أو عقلية، أو اضطرابات في الشخصية أو القصور في مستوى الذكاء، إذ تعد هذه الفئة خارج نطاق هذا الطرح الذي نعني به رفع كفاءة وجودنا في معايير سلم الحضارات من خلال رفع درجة الوعي لدى الأسوياء من أفراد المجتمع الذين يحملون ضميراً أخلاقياً ناضجاً، وبالنسبة للمسؤولية خلف تلك الظواهر الشاذة فأنا أظن أنها تقع على عاتق الفرد أولاً ومن ثم البيت والمؤسسة التعليمية، والمجتمع ثانياً، وعلى الإعلام المسؤول عن رفع درجة الرقي والوعي والتحضر ثالثاً.
كيف يبدأ العلاج ؟
أشار الدكتور الحامد، إلى أن خطوات العلاج تكمن في أهم خطوة وهي سن القوانين الصارمة والرادعة وتنفيذها دون هوادة بحق كل من يعتدي على الممتلكات العامة أو الحياة الفطرية والطبيعية، «نحتاج إلى رفع درجة الوعي والثقافة وفهم معنى الحضارة والتحضر من خلال المدرسة والبيت ووسائل الإعلام».
ويدعو الحامد إلى ضرورة تدريس الأنماط الثقافية والحضارية في المدارس العامة وكذلك الجامعات، ولا بد من رفع درجة الولاء للوطن بكل تفاصيله ورفع درجة الاحترام لكل البيئات الطبيعية والممتلكات العامة داخل الوطن وخارجه، والجانب الديني لا يخلو من جمال في مكوناته وطرحه حول هذه المواضيع بل وغناه بالآيات والأحاديث التي تحث على احترام ممتلكات الغير؛ ومنها الممتلكات العامة، وتحث على المحافظة على الحياة الطبيعية والفطرية؛ حيث يمكن أن يترك أثراً ثقافياً قوياً إذا جاء الطرح بأسلوب يلامس العقل المستنير ويتناسب مع لغة ومفاهيم العصر، وهذا دور منوط بأئمة المساجد عبر خطب الجمعة.
الرغبة في الشهرة والظهور
المستشار التربوي والأسري الدكتور سعد العمري، شدد على أن الممتلكات العامة تتميز بأنها غير قابلة للإنفاذ وغير منافسة؛ أي أن استخدامها من قبل شخص لا يمنع استخدامها من قبل آخر وتهم المجتمع؛ لأنها توفر له الخدمات الأساسية وتحسّن من جودة الحياة وتعزِّز من التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية البيئية، ومن أسباب إتلاف الممتلكات العامة الجهل والتربية السيئة والانتقام والتمرُّد والملل والتسلية والرغبة في الشهرة والانتماء والتحدي والتخلص من الضغوط والمشاكل النفسية. ومن أشكال إتلاف المال العام والبيئة البرية الكتابة على الجدران والحواجز والإشارات والمركبات والمباني والتماثيل واللوحات والنصب التذكارية، وإلقاء النفايات والمخلفات والمواد السامة والمشعة والملوثة في الشوارع والأرصفة والحدائق والمتنزهات والمحميات والمياه والهواء، والقطع والحرق والاستيلاء والاستغلال الزائد للأشجار والنباتات والحيوانات والموارد الطبيعية.
وبين المستشار العمري، الآثار السلبية لإتلاف الممتلكات العامة والبيئة البرية على المجتمع، إذ يؤدي إلى العديد من الآثار السلبية على المجتمع، مثل تدهور الخدمات وانخفاض مستوى الأمن والأمان والراحة والرفاهية والجمالية والنظافة والصحة والتعليم والترفيه والسياحة والاقتصاد والتنوع الحيوي والتوازن البيئي، كما أن إتلاف الممتلكات العامة والبيئة البرية يزيد من المخاطر والمشاكل والتكاليف والخسائر والفساد وتعطيل لعجلة التنمية في البلاد.
ما هو الحل ؟
يشير المستشار التربوي والأسري الدكتور سعد العمري، إلى قائمة من الحلول التي تعالج الظاهرة؛ منها التوعية والتثقيف والتربية والإرشاد والتحفيز والتقدير والتكريم للأفراد والجماعات والمؤسسات والمنظمات التي تحافظ على الممتلكات العامة والبيئة البرية وتساهم في تطويرها وتجميلها وتنظيفها وتحسينها والرقابة والمتابعة والتفتيش والتقييم والتقرير والإبلاغ والشكوى والتحقيق والمحاسبة والعقوبة الصارمة. ويضيف أن الممتلكات العامة تهم المجتمع؛ لأنها توفر له الخدمات الأساسية وتحسن من جودة الحياة، وتعزز من التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية البيئية.