الصورة تزداد قتامةً في المنطقة، لا شيء منذ السابع من أكتوبر الماضي يشير إلى انفراجة حقيقية في الوضع الذي يزداد تأزماً. المفاوضات بين إسرائيل وحماس وفق المبادرة الأمريكية ومشاركة مصر وقطر بدأت متعسرة ومتعثرة وعلى مدى أكثر من أسبوعين لم تحرز تقدماً، بينما الراعي الأمريكي يحاول سد الفجوات ويعلن عن تفاؤله غير المبرر في ظل التعنت والمراوغة للجانب الإسرائيلي، منظمة حماس بدورها لم تُبد حماسها للانخراط الفعلي في المفاوضات كرد فعل على الموقف الإسرائيلي الذي أوشك أن يتحول إلى أزمة حقيقية مع مصر بعد الإشكالات على معبر رفح ومحور فيلادلفيا، ورغم كل هذه التعقيدات وضعف منسوب الأمل بالوصول إلى اتفاق حقيقي، كنا نتطلع إلى ما ستسفر عنه الجولة الحاسمة من المفاوضات في القاهرة يوم أمس، لعلها تحقق اختراقاً إيجابياً في اللحظات الأخيرة، لكن إسرائيل كان لها رأي آخر.
انطلقت صباح أمس 100 طائرة حربية إسرائيلية باتجاه جنوب لبنان في ضربة وصفها مسؤولو إسرائيل بالاستباقية لمواقع صواريخ حزب الله، بينما الحزب يكذّب رواية إسرائيل ويقول إنه أطلق أولاً أكثر من 300 صاروخ لاستهداف مواقع استراتيجية، سجالٌ عقيم حول من استبق الثاني وماذا حقق، لكن المؤكد أن غارات إسرائيل ستضيف مزيداً من الدمار على البلدات اللبنانية الحدودية، بينما لم نسمع عن أضرار مهمة ألحقتها صواريخ الحزب بإسرائيل.
استنفرت إسرائيل مجلس الحرب وقيادة الأركان وعقد نتنياهو اجتماعاً طارئاً وتم تعليق المجال الجوي الإسرائيلي لبعض الوقت، أي أننا عدنا مجدداً لما يشبه بداية حرب غزة رغم فارق الضرر الذي لحق بإسرائيل في الحالتين. السؤال هو لماذا حدث ما حدث صباح أمس في الوقت الذي يفترض أن تعقد جلسة المفاوضات المهمة في القاهرة؟ من التفسيرات الأقرب للحقيقة استناداً إلى المعرفة بحقيقة إسرائيل أنها تتعمد خلط الأوراق بفتح جبهات وخلق أزمات جديدة لتعطيل المبادرات القائمة للتهدئة. إنها تمارس سياسة تشتيت الانتباه وتفتيت القضية الرئيسية إلى جزيئات متناثرة تناور بها وقتما تحتاجها.
هي الآن تستثمر الوقت لصالحها أمريكياً، طبعاً لن تقوم بعمل عسكري كبير قد ينفجر إقليمياً لأن أمريكا لن تسمح بذلك خلال هذه الفترة الرمادية وصولاً إلى شهر نوفمبر، لكنها قد تلعب في المساحة المسموحة لها مسبقاً كمساحة حزب الله، وبمقدار أكبر قليلاً من قواعد الاشتباك المتفق عليها. كما أنها أيضاً خلال هذه الفترة لا تريد الالتزام بأي اتفاق واضح على هدنة أو تسوية تكف يدها عن استخدام الآلة العسكرية، وقد تندم عليها إذا ما مالت الريح لصالحها أكثر بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية. إسرائيل آلة عسكرية أدمنت الدوران المستمر وليست دولة تعي وتحترم معنى ومفهوم السلام.