تتحدث التقارير الرسمية الإعلامية عن زيادة لافتة ومستويات قياسية في متوسط هطول الأمطار في المملكة تقدر بـ 40% عن أعلى متوسط تم رصده خلال 40 عاماً، فما معنى كل ذلك، وما تأثيره على الحالة المائية للمملكة حاضراً ومستقبلاً؟ وما مدى انعكاسه على تصنيف المملكة مائياً على المستوى الإقليمي والعالمي؟ وكيف يترجم ذلك بيئياً وزراعياً للمملكة؟
كثير من الأرقام والإحصاءات التي تتيحها بعض الهيئات والمؤسسات تعيش في برج عاجي؛ لأنها تبقى رهينة الحالة التخصصية، فتستعصي على التحليل والتعليل من وجهة نظر الاحتياج، فالأرقام بذاتها لا تكفي إذا لم يتم التعامل معها من منظور عملياتي ومنطقي.
أكثر ما يلفت الانتباه في هذا الموضوع هو الحلقة المفقودة بين كميات الأمطار التي زادت كثيراً مؤخراً وكمية المخزون من المياه، وهذا التساؤل سبق لي أن طرحته في مقالة «هل أصبحنا أكثر أمناً مائياً مع هطول الأمطار»، والتي نشرتها «عكاظ» في 8 ديسمبر 2020، فأي أرقام لا تردم هذه الفجوة، ستبقى مجرد أرقام في نظر الرأي العام المطالب بالترشيد في استهلاك مياه الشرب ومياه الزراعة وترشيد المحاصيل المستهلكة للمياه وغيرها من قائمة الاحترازات التي يتطلب تطبيقها والوعي بها إجابات واضحة من وزارة البيئة والمياه والزراعة على أسئلة لا تزال دون إجابة.
وعلى صلة بنفس الموضوع، هناك تساؤلات أخرى تضمنتها بعض المقالات التي نشرتها من خلال جريدة «عكاظ» خلال الفترة الماضية، من بينها مقالة «جدة ومتلازمة المطر»، و«القارب التائه بين الفقر المائي والغرق»، ومقالة «نهر التابلاين»، والتي تطرح تساؤلات عن علاقة كميات هطول الأمطار بارتفاع مخزون المياه من خلال إيجاد مؤشر وأرقام توضح دورياً هذه العلاقة، كما تتضمن الدعوة لإعادة النظر بالسدود المعمول بها والتي تحت الإنشاء واستبدالها بشبكة من الأنابيب تصل كافة مناطق المملكة من أقصاها إلى أقصاها، فهذه الشبكة أقدر وأدق على التحكم بجمع المياه وتخزينها ونقلها وتوزيعها من وإلى كافة المناطق على مدار الساعة وطوال العام، وهذه الشبكة أقدر على وقف هدر مياه الأمطار الحالي المتمثل بسدود محدودة التأثير والأثر لمحدوديتها بالمكان والمدة الزمنية.
في تقديري إن الشبكة الوطنية العابرة لمدن وقرى وأرياف وصحاري المملكة تعد ثورة حقيقية في مجال الري الزراعي والسقاية واستنبات الغابات وزيادة المساحات الخضراء على طول مساحة المملكة وعرضها وتُعد توظيفاً حقيقياً لمياه الأمطار واستثماراً اقتصادياً للمياه المعالجة وحتى المياه الجوفية عند الحاجة، وتسهم شبكة أنابيب المياه الوطنية هذه بتحقيق العديد من مستهدفات الرؤية في مجالات الأمن البيئي والزراعي والأمن المائي والمستهدفات السياحية، ناهيك عن أن هذه الشبكة تعد طوق نجاة من الغرق أثناء الأعاصير وبعض المواسم المطرية الشديدة.
إن مشروع شبكة الأنابيب الوطنية العابرة للتضاريس والمناخات المختلفة في المملكة هو حجر الزاوية لإستراتيجيات الوزارة الثلاث للمياه، والبيئة، والزراعة. وقد يعيد هذا المشروع ترتيب الأمن المائي، والأمن البيئي، والأمن الغذائي ضمن سلم الأولويات، وقد يعيد ترتيب هذه القطاعات الحيوية حتى في اسم الوزارة.