حذّر الإسلام من الكثير من الآفات التي تضرب استقرار المجتمعات وتهدد نسيجها الاجتماعي، ومن أخطرها ظاهرة التخبيب التي تقوم على زرع الفتنة والشقاق بين الناس عامة، وبين الأزواج خاصة، بنية تفكيك الروابط الأسرية وإحداث الفرقة بينها، والأخطر من ذلك هو تشجيع الأزواج على الطلاق لأغراض وأهداف خبيثة، هذا السلوك الشيطاني المشين يؤدي إلى نتائج سلبية وفتنة تزعزع التماسك الاجتماعي برمته، وتسهم بشكل مباشر في تفكك الأسر وضعف المجتمعات، وفي زماننا الذي تتزايد فيه التحديات الاجتماعية وتكثر فيه المشاكل الأسرية وترتفع فيه نسبة الطلاق، فمن الضروري الوقوف طويلاً عند هذه الظاهرة وكشف خطورتها على المجتمع، والنظر في حكم الشرع في من يمارسها، ثم التأكيد على أهمية التوعية بخطورتها وطرح الحلول المناسبة للتصدي لها.
التخبيب هو عملية يقوم من خلالها شخص ما بنقل كلام مفترى أو مبالغ فيه بين طرفين بقصد خلق العداوة والشقاق وإشعال نار الفتنة لإفساد العلاقات، وأكثر ما يكون في زماننا هذا بين الزوجين تحديداً، ويكتسب هذا السلوك أهمية بالغة، لما يحمله من تداعيات خطيرة على الأمن المجتمعي، فالتخبيب يتسبب في تدمير بناءات أسرية كاملة، ويهدم أعمدة بيوت كانت مثالاً للسعادة والاستقرار، وينعكس وبالها على أمن واستقرار المجتمعات.
إن تأثير التخبيب على الأمن المجتمعي كبير ومتعدد الجوانب، فهو يؤدي إلى تفكك الأسرة التي تعتبر اللبنة الأساسية لأي مجتمع متماسك، فالأسرة التي تصاب بالضعف والخلل نتيجة للتخبيب تخلق جيلاً يفتقد الأمان النفسي والاستقرار الأسري، والتي من شأنها أن تحفز على ظهور سلوكيات اجتماعية سلبية مثل العدوانية والانطواء وسهولة استغلالها واستخدامها لأي أهداف مشبوهة، كما أن زيادة حالات الطلاق والانفصال تظهر كنتيجة مباشرة للتخبيب، مما يثقل كاهل المجتمع اقتصادياً واجتماعياً ويهدد أمنه واستقراره.
الشريعة الإسلامية قد وضعت حدوداً واضحة تجاه كل ما من شأنه زعزعة استقرار الأسرة أو المجتمع، والتخبيب يعتبر من أخبث الذنوب ويعد من الفتنة التي تتم إشاعتها بين المسلمين، تأكيداً على هذا فقد جاء في القرآن الكريم أن التفرقة بين الناس، على رأسهم الأزواج، تعد من الفتن، وبأنها عمل شيطاني ولها عقاب وعذاب قال تعالى: ﴿ولكن الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ (البقرة:102).
وورد في الأحاديث النبوية الشريفة تحذيرات بالغة ضد مروجي الفتن والمفرقين بين الأحبة والأزواج، مما يستوجب التحذير والتنبيه لكل من تسول له نفسه الإقدام على هذا الفعل المشين؛ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): «ليس منا من خبب امرأة على زوجها»، و(خَبَّبَ) معناها أفسد امرأة على زوجها أو إفساد الرجل على زوجته، والحديث واضح الدلالة.
وفي ظل هذه الأضرار والنتائج الوخيمة لظاهرة التخبيب، تبرز الحاجة الماسة لتعزيز التوعية بخطورة هذا السلوك، فمن المهم بناء برامج توعية شاملة تستهدف كافة فئات المجتمع، خصوصاً الشباب والمقبلين على الزواج، لتأسيس قاعدة صحية للعلاقات الأسرية. إضافة إلى ذلك، يتوجب على العلماء والمفتين توضيح حكم الشرع في التخبيب وتبيان خطورته على المجتمع، وضرورة معاقبة من يمارسونه لردع غيرهم، كما أن الدور الأساسي يقع على الأسرة في تربية الأبناء على الأخلاق الفاضلة وتعزيز روح المحبة والتسامح بينهم.
وعليه، فقد أصبح التخبيب في عالمنا اليوم واحداً من تلك الآفات التي تهدم ولا تبني، لذا كافحته الشريعة الإسلامية قطعياً ووجهت إليه التحذيرات البالغة، ومن هنا يجب أن نعي دورنا في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة بتعزيز التوعية وتربية الأجيال على مبادئ الأخلاق الفاضلة وتقوية البنيان الأسري، فمن خلال تحقيق هذا الوعي والعمل به يمكننا أن نأمل في مجتمع أكثر تماسكاً واستقراراً.