رسالة خالدة، عمَّت أصقاع الأرض، وتناقلها المسلمون جيلاً بعد آخر، اختُص بها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ليبلغ قومه بأداء الفريضة، وليأتوا من كل فج عميق؛ ليشهدوا مناسكهم، ويكملوا أركان دينهم.
أيام عظام، وليالٍ مباركات، تجمع حجاج بيت الله الحرام في أطهر البقاع، في أيام معدودات متنقلين بين المشاعر بفيض من المشاعر، مؤدين مناسك حجهم، متهيئين ليوم التروية بمنى، مبتهلين بتصعيدهم لعرفات ووقوفهم في يوم الحج الأكبر، ليكون غروب الشمس إيذاناً بالنفرة لمشعر مزدلفة للمبيت بها، منتظرين بزوغ فجر يوم النحر؛ ليرموا جمرة العقبة ويطوفوا طواف الإفاضة، ويكبروا الله على ما أتاهم من فضله، ويقضوا أيام التشريق المباركة، فيختموا حجهم بطواف الوداع سائلين الله حجاً مقبولاً بلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج؛ ليعودوا بخلوٍ من الذنوب كيوم ولدتهم أمهاتهم.
إنها شعيرة عظيمة، فرضها ربنا سبحانه على كل مسلمٍ استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ وللاستطاعة وجوه منها القدرة المالية والبدنية والصحية، ولا يمكن إغفال القدرة التنظيمية؛ فلنتخيل كيف لمكان يتسع لثلاثة ملايين حاج أن يزدحم بأكثر من طاقته، فكيف ستكون سلاسة إسكان وتفويج الحجيج، وما حال وسلامة مناسكهم؛ إن أول من تأذى هو الحاج النظامي الذي انتظر فرصته لسنوات؛ ليمنّ الله عليه بالحصول على تصريح الحج، وتكتمل فرحته بالانتقال إلى مكة من شتى أرجاء المعمورة؛ ليجد أن مخالفي تصاريح الحج في أحوال مؤذية، تسيء للحجاج، وتخالف التنظيم، وتمارس العشوائية كالافتراش والمزاحمة، وعدم التقيد بالتفويج، بل والتجمهر عند كل منسك.
إن من رحمة الله أن جعل الاستطاعة شرطاً لأداء ركنه؛ فكيف بمسلمٍ أن يقبل بمخالفةٍ صريحةٍ لأمن الحج وسلامة قاصديه، فمن حج بلا تصريحٍ كان عاصياً، وعليه إثمه، وإثم مخالفة من ولَّاه الله أمر الحج وتنظيمه، حفظاً لسلامة الحج، وأمن قاصدي بيته العظيم.