غالباً ما يتم وصف بعض الشخصيات بأنها عدوة نفسها، ولا شك أن هذا الوصف قد يثير تعجب الكثيرين؛ فكل فرد لا يرضى لنفسه الضرر ويسعى لتحقيق مصالحه الشخصية، فكيف يعادي الإنسان نفسه إذن ويسيء لها؟ وعادة ما تنشب العداوة بين طرفين بينهما خلاف كبير أو محدود، وكثيراً ما تتم الاستعانة بالوسطاء لتقليل حدة الخلاف والتوفيق بين المتخاصميْن لإنهاء الخلاف كلياً إذا كان ذلك ممكناً، غير أن لكل منا شخصية واحدة فكيف تعادي شخصية ما نفسها ولماذا؟.
تعادي الشخصية نفسها عندما ترتكب بعض الحماقات عمداً أو جهلاً وعلى نحو يتسبب في إلحاق الأذى بها، فالعالم لا يتكون من فرد واحد بل يتشكل من مجموعة كبيرة من البشر يكاد يقترب عددهم من 8 مليارات فرد، وكل فرد منهم ينخرط في شبكة من العلاقات الاجتماعية أو الإدارية أو حتى الأسرية، والتعامل مع الغير يجب أن يتّسم بدرجة من العقلانية حتى لا تتصاعد الأمور لما لا يحمد عقباه.
وبدون شك يعد العديد من الخارجين عن القانون أعداء أنفسهم، غير أن بعض من قدر لهم عقوبة السجن شاءت الأقدار أن تخرج علاقتهم ببعض الأفراد عن نطاق السيطرة والتي أفضت لإلحاق الضرر بهم، مما ترتب عليه وقوعهم تحت طائلة القانون، وقد تتسبب جملة واحدة في الإيقاع بقائلها على الرغم من أنه كان من الممكن تفاديها لو اتسم سلوك الشخص بالاتزان وعدم الاندفاع، فالبعض يسقط ضحية لحظات تهور لم يكن مدركاً لعواقبها.
وفي عالم السياسة قد يتسبب بعض السياسيين في أزمات كارثية تؤدي لعواقب وخيمة على العديد من المستويات، فقد تؤدي تصريحات المسؤول غير المسؤولة إلى تصعيد سلبي خطير بين دولته وبين بعض الدول الأخرى، مما يؤثر على طبيعة العلاقة بينهم، وتؤثر العلاقات الخارجية للدولة على أوضاعها الداخلية سلباً وإيجاباً، فبعض الأمم انهارت وتم احتلالها نتيجة سوء الإدارة السياسية فيها، ومن المرجح أن العديد من الشعوب كان يسهل تجنيبها الكثير من العواقب الكارثية لو لم يرتكب بعض مسؤوليها بعض الأخطاء السياسية القاتلة.
يزخر التاريخ الحديث بالعديد من الأحداث التي تؤكد صحة السرد السابق، غير أنه يصعب إيجازها ولو حتى في بضعة سطور محدودة، ولا شك في أهمية ابتعاد المسؤولين عن اتباع الأهواء الشخصية وضرورة إجادتهم لتجسيد سياسة الدولة والدفاع عن مصالحها، ولو تروينا قليلاً في موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو فسنجده شخصية تعادي نفسها بامتياز؛ فهو يسير في اتجاه معاكس لرغبة الشعب الإسرائيلي والمجتمع الدولي معاً، وهو يعادي -خلال تاريخه السياسي الطويل- سياسة السلام بصورة عامة، ولعل شخصيته غير الحكيمة أضرت كثيراً بالشعب الإسرائيلي، وهو ما انعكس فيما نشهده حالياً من اجتياح المظاهرات العارمة للشارع الإسرائيلي؛ فقد ضاق الشعب الإسرائيلي ذرعاً بموقف نتنياهو لإدراكهم أن مواقفه كلها تنبع من رغبته الجامحة في البقاء في السلطة.
الشخصية المعادية لنفسها تتمحور حول ذاتها، وأخطر ما فيها أنها لو خسرت كل أوراقها تلجأ عامدة إلى سياسة الأرض المحروقة، شعارها في الحياة «إن مت ظمآناً فلا نزل القطر»، ولعل أشد ما يؤرق حكومة الحرب الحالية -وعلى رأسها نتنياهو- هو طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وبعض أفراد حكومته؛ وهذا الأمر الذي يؤكد رفض المجتمع الدولي للممارسات الإسرائيلية الظالمة.
من الملاحظ أن نتنياهو وحكومته يصرون على ضرورة تفكيك حماس كشرط لوقف إطلاق النار، وهذا الشرط اعتبره -بصفة شخصية- من أكبر الحماقات الإسرائيلية؛ وذلك ليس دفاعاً عن حماس، ولكن لأن الحرب الحقيقية التي تخوضها إسرائيل ليست مع حماس فقط، بل هي مع الشعب الفلسطيني بأكمله، فالمقاومة الفلسطينية لم تغب عن أذهان الشعب الفلسطيني منذ العام 1948 وقد كانت على أشدها في الكثير من الفترات حتى قبل تأسيس حماس نفسها العام 1987.
لو افترضنا أنه تم تفكيك حماس فهل يعني هذا وأد حقوق الشعب الفلسطيني؟ من المؤكد أن هناك تنظيمات لاحقة ستنشأ وتؤدي نفس الدور الذي تقوم به حماس من أجل تحرير أراضيها، فلا ولن يموت حق وراءه مطالب، ومطالب الشعب الفلسطيني هي جزء من مطالب أمة عربية يمثل الفلسطينيون جزءاً لا يتجزأ منها، ولا يمكن لعربي أبداً أن يتناسى أن الأراضي التي تحتلها إسرائيل هي أراضٍ عربية ولا يحق له التفريط فيها أبداً.