ليس هناك أسوأ من الإصرار على تكرار ذات التجربة، تكراراً حرفياً، طمعاً بالحصول على نتائج مختلفة عن السابق، أو أملاً بتحقيق أهداف وهمية لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع. ولعل ما يحدث اليوم في شوارع العاصمة الأردنية عمّان، ما هو إلا مثال صارخ وشرح مبسط، لطريقة التفكير المجتزأ التي دأب الإخوان المسلمون على تبنيها على مدى تاريخهم غير المشرف ولغاية اليوم. وما رهاناتهم على الفوضى والانقلابات وخلط الأوراق في عمّان، إلا صورة طبق الأصل لكل الرهانات الفاشلة التي تتبناها المليشيات الفئوية والطائفية والحزبية الأخرى على طول وعرض دول المنطقة أملاً بحدوث ما لا يمكن حدوثه، وطمعاً بانقلاب الحال لصالحهم دون غيرها على حساب بقية أطياف ومكونات المجتمعات، وحقهم بتقرير مصيرهم وتحقيق التنمية والحفاظ على أسس وقواعد ومتطلبات العيش الكريم وفقاً لقيم العدالة والتكافؤ والمساواة والسعي إلى بناء المستقبل بعيداً عن ذهنية الفرقة الناجية بالدنيا والآخرة.
ما تقوم به حركة الإخوان المسلمين في شوارع عمّان، تحت مظلة التصريحات التي يطلقها قادتهم هنا وهناك، معلنين عن رغبتهم في توسعة الاحتجاجات لكافة دول المنطقة، هو كشف جديد عن أن الحراك الذهني والعملي والأخلاقي وقائمة الأهداف لديهم ما تزال هي ذاتها لم تتغير. وإن انخفاض صوتهم بالمرحلة السابقة، ما هو إلّا إعادة تموضع وتربص بالمنطقة الدوائر لحين سنوح الفرصة المناسبة للظهور مرة أخرى على وجه الأحداث، والانقضاض على مصائر الناس، سواء بقوة السلاح أو بالاصطياد بالماء العكر أو بخلط الأوراق وإطلاق الشعارات المطاطة، وتغذية الفوضى.
الحديث عن السيناريوهات المحتملة لما يمكن أن يحدث للمملكة الأردنية في ظل انفلات عقال الإخوان هناك، حديث محسوم النهايات بتلقي الإخوان المسلمين في نهاية المطاف، ضربة قاصمة لن تقوم لهم من بعدها قائمة. وكل ما نشاهده اليوم من فوضى، ما هو إلا تكرار حرفي لذات التجارب السابقة. وما أشبه اليوم بالبارحة، اللهم إلا باختلاف الزمان والمكان والشخوص لا أكثر.. وهذا ما يجعل النهايات تشبه بعضها بعضاً أيضاً.
اليوم وبعد أن مُسحت غزة من على وجه الأرض، ما هي خطة إخوان الأردن يا ترى وحماس أيضاً تجاه غزة ما دام الشعار الأبرز الذي رُفِع لإشعال فتيل المظاهرات في عمان كان غزة وأهل غزة؟ وهو السؤال الواجب على الإخوان المسلمين بكافة فروعهم وخصوصاً أعضاء حركة حماس طرحه على أنفسهم قبل غيرهم إن لم يكن بهدف الإجابة عليه، فبهدف التأمل على أقل تقدير. لأن الشعارات الكبرى والتي تبنى على الوهم سرعان ما تتحول إلى مستنقعات ليس من السهل السيطرة عليها ولا الخروج منها بسلامة الوفاض إن تحققت على أرض الواقع.. ولنا في طوفان الأقصى مثال جيد على بناء الطموحات على الوهم والخداع للنفس قبل الآخر. لتأتي بعد ذلك التداعيات أكثر قسوة بمصداقيتها وصورها وأرقامها. وعليهم أيضاً في ذات السياق، أن يبينوا للناس في غزة وغيرها، ما الذي تحقق من كل ذلك. فمن المهم أن يعرف الجميع أين يختبئ الانتصار في معادلة تسببت بمقتل أكثر من 33037 إنساناً، وبجرح ما يفوق 75668. وأن يذكروا بالمقابل كم عدد الأسرى الفلسطينيين الذين تم تحريرهم من سجون الاحتلال لغاية اليوم؟ ناهيك عن حجم الدمار الذي لحق بالمؤسسات والناس وكمية الجوع والعطش وقسوة الحصار. ليعرف المواطن الفلسطيني قبل غيره أين يقف وسط هذه العاصفة.
ما يحدث في العاصمة الأردنية عمّان من استغلال للظروف الاجتماعية والإنسانية هناك، واستغلالها كخاصرة رخوة لزعزعة أمن الأردن واستقراره، مناورة باهتة تشبه غيرها من المغامرات الإخوانية التي انتهت بما لا يشتهيه ولا يتمناه الإخوان المسلمون في الماضي القريب وللتاريخ شواهده وللواقع كلمته.