منذ أيام صدر أمر ملكي كريم بإطلاق مؤسسة الرياض غير الربحية على أن تكون مؤسسة مستقلة ذات طبيعة خاصة، تحت مظلة الهيئة الملكية لمدينة الرياض، ومن خلال قراءة مبدئية للقائمين على هذه المؤسسة وعلى رأسهم رئيس مجلس الإدارة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، ومن خلال استعراض مستهدفات المؤسسة ومرتكزاتها وتوجهاتها، يمكن إدراك واستنتاج حجم الدور والأثر الكبير لهذه المؤسسة على الرياض المدينة والعاصمة.
إن أي مشروع لا بد له من مُخرِج، مثلما أنه بحاجة لمدير مشروع. فالمُخرِج هو من يضع البصمات النهائية للمشروع عملياً وفنياً وثقافياً واجتماعياً مع ما حوله ومن حوله من المستفيدين ومن مشروعات وبيئة اجتماعية وأحياء سكانية. وإذا كان دور المُخرِج ضروريّاً لإكمال دور مدير المشروع وفريقه في المشروع الواحد، فإن دور المخرج يصبح أكثر ضرورة إذا كنا أمام مئات المشروعات وآلاف المشروعات في مدينة بحجم وأهمية مدينة الرياض.
إن مؤسسة الرياض غير الربحية في تصوري هي المُخرِج الذي سيناط به وضع البصمات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والفنية على مجمل ما شهدته وتشهده الرياض من مشروعات على يد عشرات مديري المشاريع، التي نتج عنها الكثير من التغييرات والعديد من التحولات، من خلال إيجاد مقومات التكامل والتناغم والانسجام بين متطلبات جودة حياة السكان ونمط عيشهم على أسس النظر إلى كل فئات السكان وكافة الأحياء وبما يحقق هويّة الرياض الضرورية وفقاً لكل هذه المعطيات والمقومات.
إن الرياض ليست مجرد مدينة عصرية حديثة أو عاصمة ضاربة الجذور، لكن الرياض مجموعة كبيرة من عمليات تغيير وتحولات كبيرة وعديدة، الأمر الذي يتطلب «مركزاً عصبيّاً أفقيّاً ورأسيّاً» لهذه المدينة فائقة السرعة بالتغيير والنمو، وهو ما يستدعي الربط و تفعيل المنظومة «العصبية» ما بين أقصى نقطة في التاريخ المعروف وأبعد نقطة في المستقبل المنظور، والحفاظ الذكي على تفاعل وتناغم مختلف الثقافات السكانية، والأحياء السكنية في هذه المدينة الضخمة والسريعة والمكتظة بالسكان والفرص والتحديات.
من هنا يمكن فهم الدور ومستهدفات مؤسسة الرياض غير الربحية، «ذات الطبيعة الخاصة» والمستقلة عن المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وبما تملكه من رؤية تنموية تشخيصية وما يجب أن تملكه من أدوات مبتكرة للتعامل مع تمكين فئات السكان وأحياء المدينة اجتماعيّاً واقتصاديّاً و ثقافيّاً، وبما يحقق درجة عالية من استثمار الفرص في التغلب على التحديات كافة.
ولما لهذه المؤسسة من أهمية في قيادتها لهذا المسار الاستثنائي في عاصمتنا الجميلة، أقترح إعطاء أولوية قصوى لنادي الحي الاجتماعي، الذي طالبت به شخصيّاً؛ لما له من أهمية وضرورة في كل حي، لما لهذا النادي من انعكاسات إيجابية على تفعيل العلاقات والروابط بين سكان الحي بمختلف فئاتهم وخلفياتهم الثقافية، الذي ينعكس بدوره على رفع درجة الأمن والثقة بين سكان كل حي في مدينة ضخمة بحجم مدينة الرياض، كما ينعكس دور هذا النادي على الحد من كثافة الحركة المرورية والازدحام خارج الحي من خلال توفير الخدمات والمناشط الأساسية للسكان في حيهم السكني قدر الإمكان، فليس صحيحاً أن يخرج سكان كل حي للبحث عن الخدمات في كل الأحياء مما يتسبب بإرباك الحركة المرورية.
إيجاد نادي الحي الاجتماعي سوف يسهم في تفعيل العلاقات بين سكان الحي، من خلال ما يوفره النادي من وسائل ترفيه مثل البلياردو وتنس الطاولة والشطرنج والمشروبات والجلسات والاجتماعات والمحاضرات فيما يخدم الحي وسكان الحي تطوعيّاً، بيئيّاً، صحيّاً، وتعليميّاً سكانيّاً وسكنيّاً لمختلف الشرائح العمرية.
إن النادي الاجتماعي في كل حي هو فكرة عملية اجتماعية اقتصادية لتقديم الحلول المبتكرة للعديد من التحديات التي عادة ما تعاني منها المدن الكبرى وهي في صميم مستهدفات مؤسسة الرياض غير الربحية، كما أنها فكرة تتبنى الابتكارات والحلول غير التقليدية في التعامل مع الواقع والمستقبل.
نادي الحي الاجتماعي فكرة يمكن أن تقوم على الشراكة بين القطاع العام والخاص والقطاع غير الربحي بحضانة وإشراف مؤسسة الرياض غير الربحية، من خلال تبني المبادرات والمشاريع للربط بين القطاعين العام والخاص والقطاع غير الربحي بما يؤسس لشراكات حيوية تحقق أهداف التنمية ومستهدفات الرؤية، الأمر الذي يتيح تمكين الفرد والمؤسسة المحلية، وتطوير قدرات الشباب، الأطفال، والمتقاعدين، وذوي الاحتياجات الخاصة، وتشجيعهم للانخراط في الحياة والمجتمع بالاعتماد على قدرات المجتمع بمن فيهم المتطوعون، وإعطاء التدريب المستمر وتطوير القدرات وتحقيق التأثير الإيجابي في المجتمع.
أخيراً، ستكون مؤسسة الرياض غير الربحية نموذجاً محليّاً وعالميّاً في دراسات قياس الأثر والاستجابة للتحديات من خلال ابتكار الأدوات المحلية الفاعلة واستكشاف الآفاق الواعدة للعلاقات بين المجتمعات المحلية والقدرات الفردية.