وصلت خلال الأسبوع الماضي مجموعات من المعلمين والمعلمات من الصين لبدء تدريس اللغة الصينية في مدارس المملكة؛ أي أننا بدأنا فعلاً الانفتاح على هذه اللغة بشكل تعليمي مؤسسي، وسوف يكون لدينا جيل يتقن لغة الشعب الذي أصبح ينافس الغرب علمياً واقتصادياً وثقافياً، ويتفوق عليه في بعض الجوانب، وربما يمتلك تقنيات متفوقة لا تملكها بعض دول الغرب الكبرى، ومنها أمريكا.
هذا القرار الاستراتيجي الذي اتخذته رؤية المملكة 2030 له أكثر من دلالة، فمن ناحية هو يؤكد الرغبة في الانعتاق من سطوة الثقافة الغربية التي طغت على أجيال عدة لدينا بحكم الدراسة في الدول الغربية ابتداءً من الرعيل الأول الذي مثّل شريحة التكنوقراط التي قامت عليها مؤسسات الدولة الحديثة، وامتداداً إلى الأجيال اللاحقة. وعندما يكون تعليمك وجزء كبير من ثقافة حياتك غربياً فمن الطبيعي أن تنحاز له، ومن الطبيعي أن يكون نموذجك الذي تقتدي به، وهو في المقابل يسعده أن تدور في فلكه وتكون معتمداً عليه.
نعم، لم يكن لنا خيار غير الغرب ولغته وتعليمه وثقافته؛ لأنه كان سيد الثورة الصناعية والتقنية والتقدم العلمي، وكانت المسافة كبيرة بينه وبين الشرق في هذا الشأن، مما جعل الاعتماد عليه رئيسياً، بل حتمياً. لكن العالم تغير فلم يعد الغرب يحتكر العلوم والتقنيات الحديثة لوحده، فقد نهض الشرق ونفض عن ردائه الاتكال والتبعية في عدد من دوله، لكن عند الحديث عن الصين فإننا نتحدث عن نموذج خاص أصبح ينافس على اعتلاء القمة باقتصاده وعلومه، إضافة إلى كاريزما تأريخه وخصوصيته ثقافياً واجتماعياً، إنه مارد الحاضر والمنافس المستقبلي الذي يسبب قلقاً بالغاً للغرب؛ ولذلك لا يشعر بالرضا تجاه أي تقارب للآخرين معه.
وبالتأكيد لن يلغي طرفٌ طرفاً آخر، ولن يستغني العالم عن أي منهما؛ أي الكتلة الغربية والعملاق الصيني، وللدول ذات السيادة حرية إقامة علاقات متوازنة مع الطرفين لتحقيق مصالحها، لكن على الغرب أن يتخلى عن ظنه بأنه سيقود العالم الى ما لا نهاية، وأنه الذي يملي على الدول ما يجب أن تفعله وما لا تفعله.