في الوقت الذي كان ينتظر العالم بصيص أمل لإنهاء أكبر كارثة إبادة إنسانية في قطاع غزة، وأشرس حرب ضد شعب لا حول له ولا قوة، أجهزت أمريكا على ذلك الأمل باستخدام حق الفيتو على مشروع قرار في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في غزة، وتضامنت معها بريطانيا بالامتناع عن التصويت، وذهب مع الريح تصويت 13 دولة لصالح القرار. هكذا، وبكل بساطة.
وليت الأمر انتهى بالتصويت ضد القرار، بل الأقبح هو تبريره، إذ يقول هنري ووستر، النائب الأول لمساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى: «الخوف من منح حركة حماس فرصة لإعادة تنظيم صفوفها، وعرقلة قدرة إسرائيل على النصر»، ثم يضيف: «واشنطن تؤيد هدنة إنسانية مؤقتة وليس وقفاً شاملاً لإطلاق النار، كما أنها لا تضع لإسرائيل خطوطاً حمراء في العمليات العسكرية الجارية، ولا تضع جدولاً زمنياً صارماً لإنهاء الحرب في غزة».
الضمير الإنساني هنا أمام إشكالية كبرى في فهم الموقف الأمريكي، ما هو النصر الذي تعنيه أمريكا لإسرائيل ولا تريد أن تعرقله بعد أن أصبحت غزة غير صالحة للحياة تماماً، وبعد قتل آلاف الأبرياء معظمهم نساء وأطفال، وتهجير أكثر من مليون ونصف إلى المجهول في أشد وأصعب الظروف الحياتية. وكيف للعالم استيعاب أن أمريكا ليست طرفاً مباشراً في الحرب وهي تقول إنها لا تضع خطوطاً حمراء للعمليات العسكرية الإسرائيلية ولا جدولاً زمنياً لإنهائها، ولا تؤيد وقفاً شاملاً لإطلاق النار.
بهذا الموقف، وكثير غيره منذ بدء الحرب الإسرائيلية الشاملة على قطاع غزة، يتأكد أن أمريكا تجر المنطقة إلى مرحلة شديدة الخطورة، لكنها تتجاهل خطورة تبعاتها وارتداداتها على الأمن والسلم العالمي، وعلى أمريكا ذاتها. إسرائيل لا يمكنها الاستمرار إلى ما لا نهاية في هذا السيناريو الدموي والاستفزاز الشديد والرعونة المتمادية، وأمريكا يجب ألا تنسى أن ممارساتها السابقة في بعض البلدان أفرزت حركات ومنظمات متطرفة ترفع شعار مناهضة أمريكا لكنها تسببت في إلحاق الخراب بكثير من الدول، وهددت الأمن في بلدان العالم. وحينما يكون الموقف الأمريكي من حرب غزة كما هو الآن، شريكاً فعلياً مع إسرائيل في حربها، فذلك يُنذر بنتائج في غاية السوء.