يتزايد حضور الصين في كل لحظة، ففي العقود الأخيرة تضاعفت قدرات الصين الاقتصادية والصناعية والتقنية والتجارية حتى أصبحت في كل بيت ومزرعة ومصنع ومشفى ومدرسة، مما أكسب النموذج الصيني مناعة وثقة في بلورة وتطوير النموذج الصيني في التنمية، حيث جذور الثقافة والحكمة الصينية وحيث العبقرية الصينية الرائدة والحديثة في مجال الابتكار وثقافة الاختراع، التي جعلت المنتج علامة ثقافية أكثر منها علامة تجارية عبر جغرافية العالم ومن خلال احتياجات الإنسان على وجه المعمورة..
لقد حددت الأمم المتحدة عام 2030 عاماً للقضاء على الفقر في العالم. وكان هدف «القضاء على الفقر» في مقدمة أهداف التنمية السبع عشرة وخطة التنمية المستدامة المنشودة. لكن وبرغم محدودية ما تحقق من إنجازات على صعيد الهدف الأول في مجال القضاء على الفقر، إلا أن وباء كوفيد 19 وانتشاره السريع والخطير قضى على الإنجازات وقوّض تقريباً كل ما تحقق في مسار القضاء على الفقر، بل إن أرقام الفقر في العالم تفاقمت وأعادت العالم للوراء في كل أوجه الفقر ومسبباته من مجاعات وبطالة وتدهور في الحقوق الأساسية للإنسان، وفي ظل محاولات الدول الغربية ذات التاريخ الاستعماري استعادة هيمنتها على الدول واستغلالها للشعوب ومواردهم الطبيعية.
لكن الصين وبفضل النموذج التنموي الصيني المتجذر في الثقافة الصينية والمنبثق من العبقرية الصينية، استطاعت أن تقضي على الفقر رغم أنها عانت من كورونا كما عانت كل دول العالم. ففي 25 فبراير 2021 احتفلت الصين ومن خلال المؤتمر الوطني للاحتفال بالقضاء على الفقر المدقع وتكريم نماذجها المثالية في مكافحة الفقر في بكين، وأعلن الرئيس الصيني رسمياً أن الصين قد حققت «انتصاراً كاملاً» في معركتها ضد الفقر؛ وقد هنأ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش الرئيس الصيني شي جين بينغ على الإنجازات التاريخية في القضاء على الفقر.
لقد تبنّت الصين النظام الاقتصادي الريفي للحد من الفقر والتخفيف من حدته من خلال ما يعرف بالتنمية الإقليمية على نحو شامل، وذلك بالتدرج من 1) الإغاثة إلى 2) التنمية ثم 3) المشاركة. فقد اقتضت الخطة التدرج في تحديد خط الفقر ورفع معدله بالتزامن مع التدرج من القرى والمحافظات والأقاليم والمستوى الشامل.
فمنذ عام 1986 بدأت الحملة بتحديد خط الفقر بـ 206 يوانات، حينئذ كان عدد الفقراء 125 مليون نسمة في الصين تبعاً لخط الفقر هذا، ثم تم رفعه إلى 500 يوان، ومنها تم رفعه إلى 865 يواناً، ومن ثم تم رفعه إلى 1,196 يواناً وصولاً إلى عقد المؤتمر المركزي لأعمال التنمية والتخفيف من حدة الفقر سنة 2011 في بكين حيث تم تثبيت خط الفقر عند 2,300 يوان بشكل شامل.
ومنذ مطلع هذا القرن أخذ النموذج الصيني ينحو باتجاه بناء مجتمع رغيد للحياة بشكل شامل حيث تم إدخال الكثير من التعديلات في سبيل الاستمرار بتخفيف الفقر. فقد تم استهداف 150 ألف قرية فقيرة من خلال 592 محافظة فقيرة كمستهدفات للعمل الوطني للقضاء على الفقر.
إنها الحوكمة الصينية للفقر وسبل معالجته والحد منه وصولاً للقضاء عليه، هو ما جعل التجربة الصينية تنجح في القضاء على الفقر قبل الموعد العالمي للقضاء على الفقر الذي حددته أهداف الأمم المتحدة للتنمية.
فلماذا نجحت الصين من حيث فشل الآخرون؟ ولماذا قضت الصين على الفقر، بينما تفاقمت مشكلات الفقر في العالم بما فيه العالم الغربي الرأسمالي؟ الإجابة تقتضي مراجعة المنهجية الغربية المعمول بها في التنمية من ناحية، كما تقتضي مراجعة سلوك حكومات الدول الغربية الاستعماري والكشف عما تخفيه هذه الحكومات ضد البشرية في سبيل استدامة الاقتصاد الاستعماري واستغلالها لدول العالم.
لقد كشفت لنا حرب الكيان الصهيوني الغاصب على غزة حجم التناقض بين ادعاءات الحكومات الغربية وأفعالها. هناك فجوة مرعبة بين سلوكيات الحكومات الغربية و«الإنسانية»، مثلما أن هناك فجوة أخلاقية وقانونية وإنسانية بين الحكومات الغربية ومستهدفات التنمية البشرية!
السبب هو أن الحكومات الغربية لا تزال تعتاش على «الاقتصاد الاستعماري» رغم تحرر مستعمراتها، حيث تعمل حكومات الدول الغربية الاستعمارية على استدامة الحروب ونشر الإرهاب في الدول العربية والأفريقية، في سبيل استدامة الاقتصاد الاستعماري، وهذا يتناقض مع أبسط حقوق الإنسان ناهيك عن التناقض مع مبادئ القانون الدولي الذي وضعته نفس هذه الحكومات الغربية، واحتفظت من خلاله لنفسها بكل الامتيازات مثل حق النقض الفيتو ومثل البنك الدولي وغيرها.
إن من يريد أن يقضي على الفقر لا يمكن أن تكون يده ملطخة بالقضاء على الفقراء، وإن من يكون اقتصاده معتمداً على الاقتصاد الاستعماري لا يمكن أن تكون له أي مصلحة بالقضاء على الفقر.
أخيراً، إن من يريد أن يختبر إنسانية الحكومات الغربية وأخلاقياتها واحترامها للقانون الدولي عليه أن يدرس مواقف الحكومات الغربية التي كشفتها حرب الكيان الصهيوني على غزة على نحو غير مسبوق!