القناعة التي بدأت تترسخ لدى الجيل الحالي من الخريجين والباحثين عن عمل هي قبول الوظيفة الأولى بدون شروط مسبقة، والاستمرار في رحلة التطوير لاكتساب المزيد من الخبرات والمهارات في بيئة العمل، وهذه القناعة تدعمها اليوم عدة مؤشرات مهمة؛ لعل أبرزها دخول أكثر من 361 ألف مواطن لسوق العمل للمرة الأولى في العام 2023، وهو تقريباً ضعف عدد الخريجين الذي يصل سنوياً إلى حدود 200 ألف خريج من الجامعات والكليات، إلى جانب انخفاض معدل البطالة بين السعوديين إلى رقم تاريخي (7.7%) خلال الربع الرابع من العام 2023، كذلك عدد العاملين في القطاع الخاص الذي قفز خلال السنوات الخمس الماضية من 1.7 مليون إلى 2.3 مليون سعودي.
بدايات الصفر في الوظيفة الأولى هي قصة تنمو مع الزمن، وليس بالضرورة أن ترتبط هذه البدايات بالتخصص، أو المؤهل، أو حتى الرغبة والميول، ولكنها حتماً ترتبط بما هو أهم من الثقة بالنفس، وشغف الطموح، والاستعداد الشخصي في مواجهة التحديات، والقدرة على إثبات الذات أمام اختبار المسؤولية، والمنافسة، وصناعة الفرصة للبحث عن ما هو أفضل مستقبلاً، والمحصلة في كل ذلك هي صناعة إنسان لا يريد أن يبقى عاطلاً، أو عالة على أحد، أو منتظراً وقتاً أطول للرد على طلب تقديمه للوظيفة، بل يستثمر الفرصة، ويعمل في أي مكان وتحت أي ظرف، ويتمسك بالمهنة التي يحبها ويمارسها وليس فقط الشهادة التي تحصّل عليها؛ لأن المهنة هي بوابة العبور لما بعد الوظيفة الأولى، والرصيد الذي يبقى في السيرة الذاتية.
القناعة الجديدة التي نريد ترسيخها اليوم أنه كلما كان العمل الأول للإنسان مرتبطاً بالمهنة أكثر من الوظيفة كلما كانت الفرصة أكبر لخيارات أفضل مستقبلاً، وهذه القناعة لها ما يعززها في سوق العمل، حيث لا يمكن لإدارة موارد بشرية في أي منظمة أن تتوقف عند سيرة موظف أكثر مما تتوقف عند صاحب مهنة، والأفضل حينما ترتبط المهنة بالتخصص؛ لذلك نادراً ما تجد صاحب مهنة عاطلاً، ولكن ربما قد نجد كثيراً من الموظفين عاطلين يوماً ما بعد انتهاء عقودهم.
نقطة أخرى مهمة في طريق الاستعداد للوظيفة الأولى، وهي كتابة السيرة الذاتية التي هي عملية متراكمة تبدأ منذ وقت مبكر في حياة الإنسان، وقبل تخرجه الأكاديمي، وتشتمل على المعلومات الأساسية، وتركز على المعارف والمهارات، والتجارب السابقة أثناء فترة التدريب، مع مراعاة أن لكل وظيفة سيرتها الخاصة التي تناسبها.
كذلك نقطة أخرى أثناء الاستعداد لمقابلة الوظيفة الأولى، وهي أهمية الحصول على المعلومات الكافية عن الوظيفة والجهة، وإبراز السمات الشخصية أثناء المقابلة، وإظهار ما لديك من قدرات وإمكانات لشغل الوظيفة، إلى جانب الاستشهاد بتجاربك الناجحة، والتركيز على الحلول والمقترحات التطويرية تجاه الوظيفة والجهة.
نقول هذا الكلام قبل أقل من شهرين على موسم حصاد الخريجين من الجامعات والكليات، ومهم جداً أن نفكر كيف نلتحق في الوظيفة الأولى بدون شروط مسبقة، ونختار العمل الذي يؤسس لمهنة تبقى للعمر، وتراهن عليها في أي وقت.