مرة أخرى تعود إلى الواجهة والصدارة احتجاجات واسعة لكنها هذه المرة على نطاق واسع يكشف عن عمق الانقسام في المجتمع البريطاني وحجم المخاطر التي قد تصل إلى حرب أهلية كما يتنبأ إيلون ماسك مالك منصة إكس. هذه الاحتجاجات يمكن أن يكون سببها المباشر قصة جنائية كما هي طبيعة التناول الإعلامي الروتيني لكل الموضوعات وحسبما ينسجم مع أجندات الإعلام التقليدي في الدول الغربية، والأزمة الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع معدلات البطالة والتضخم وتزايد أعداد الهجرات غير الشرعية يصب الزيت الذي يشعل هذه القضية من حين إلى آخر. كما أن المواسم الانتخابية في بريطانيا وفي عدد من الدول الأوروبية مناخ وبيئة خصبة للتصعيد والشحن العنصري اليميني ضد المهاجرين وتحميلهم وزر كل فشل منظومات الدولة الأوروبية والمجتمع.
إن قضية المهاجرين واللاجئين في الدول الغربية هي قضية عدالة اجتماعية وقانونية تاريخية أصيلة يجب أن تبقى راسخة في وعي وضمير المهاجرين واللاجئين أولاً وفي وعي وضمير الفرد والمجتمع الغربي والدولة الغربية. إنها ليست قضية طارئة أو عابرة أو استثنائية كما يتم تصويرها وتناولها إعلامياً، بل هي قاعدة وقاعدة أساسية لا بد أن تتم بلورتها وترجمتها وتقديمها للمحاكم المتوفرة أو التي ستوجدها الأجيال القادمة بعد زوال النظام العالمي الاستعماري القائم والذي يستميت بالإبقاء على سطوته وهيمنته والظفر بامتيازاته من خلال قتل الشعب الفلسطيني بكل سبل الإبادة الجماعية من خلال الكيان المحتل في فلسطين والذي هو مخالب النظام الاستعماري القائم.
قضية المهاجرين واللاجئين لا تنفصل عن التاريخ الاستعماري الغربي، بل لا تنفصل عن الواقع الذي تعيشه معظم الدول الأفريقية والعربية التي وقع عليها الاستعمار الغربي، وفي مقدمتها دولة فلسطين والشعب الفلسطيني الذي لا يزال يدفع دم أطفاله ونسائه وشيوخه ثمناً لجريمة مكتملة الأركان، من خلال إحلال مرتزقة العالم ومجرمي العالم على حساب الشعب الفلسطيني الأصيل والأصلي في فلسطين.
الثمن الذي تدفعه بعض الدول الأوروبية حالياً للمهاجرين واللاجئين لا يزال أقل بكثير مما يجب أن تدفعه نظير الجرائم التي ارتكبتها الدول الاستعمارية الأوروبية لتكفّر عن جرائمها ضد البشرية ولتعوض تلك الدول والشعوب عما نهبته من خيرات أرضها وعرق ودم أبنائها.
يجب على المهاجرين واللاجئين في بريطانيا والدول الأوروبية ألا يشعروا بأنهم عبء على هذه الدول ولا أنهم حالة استثنائية أو طارئة، بل إنهم أكثريات لهم حقوق تساوي حقوق السكان الأصليين في هذه الدول، إلى أن تعترف الدول الأوروبية بجرائمها وما اقترفته من جرائم تاريخياً وحالياً وحتى تقوم الدول الأوروبية بدفع التعويضات للدول والشعوب في أفريقيا والوطن العربي وكل دول العالم، وتصحيح مسار التاريخ لتلك الدول، بمن فيهم الشعب العربي الفلسطيني.
إن تدخّل إيلون ماسك صاحب منصة إكس في الاحتجاجات البريطانية يؤكد على الدور السياسي الذي تلعبه وستلعبه منصات التواصل الاجتماعي في الكثير من القضايا السياسية في العالم، بجانب الأدوار الأخرى التي لعبتها وتلعبها، من هنا، أتوجه إلى السيد إيلون ماسك وجميع ملاك منصات الإعلام الاجتماعي في العالم، بدراسة فكرة تأسيس نظام عالمي افتراضي أكثر عدلاً ومساواة مما هو قائم حالياً، رغم علمي ومعرفتي بانتماءات أصحاب وشركات التواصل الاجتماعي المختلفة. نظام عالمي يتحرر قليلاً من قبضة المستعمرين الغربيين، نظام عالمي ينافس القائم حالياً من منظومة 1) مجلس الأمن الدولي 2) الأمم المتحدة، 3) محكمة العدل الدولية، 4) محكمة الجنايات الدولية 5) منظمة حقوق الإنسان، 6) كل المنظمات الدولية المتخصصة 7) نظام عالمي يتمتع بالعدالة النسبية، يكون أعضاؤه تحت القانون ولا يستثني الكيان المحتل في فلسطين 8) نظام عالمي يخضع له من في البيت الأبيض والكونغرس ويخضع له الجمهوريون والديموقراطيون، والعمال والمحافظون، ويخضع له الصهاينة والمتصهينون.
سواء كانت شبكات التواصل الاجتماعي سببا للتغيير أو نتيجة للتغيير، وسواء كانت وسيلة أم غاية، فإن بيدها الكثير من الأوراق لو لعبتها لخلخلة النمور الورقية في العالم التي لا تزال تبسط نفوذها وهيمنتها على العالم ليس من خلال القيم والكفاءة والإمكانات، وإنما من خلال عضلاتها الاستعمارية التي ماتت وانتهت، بانتظار من يعلن دفنها على يد إعلام التواصل الاجتماعي، الخارج عن سيطرة الإعلام الاستعماري.