كانت ابنة السعودية الشابة الرياضية المتخصصة في الفنون القتالية (هتان السيف) حديث وسائل الإعلام ومنصات السوشيال ميديا خلال اليومين الماضيين بعد فوزها على منافستها الفتاة المصرية (ندى فهيم) بالضربة القاضية في نهاية دوري الأبطال المحترفين. قبل الحديث عن الفوز كان لافتاً جداً أسلوب هتان في حواراتها الإعلامية؛ هدوء، ثقة، أدب، اتزان، لغة سليمة راقية، واعتزاز بالفوز دون تعالٍ وغرور. فتاة متعلمة، خريجة تخصص سكرتارية طبية، فقدت والديها لكنها انتصرت على أحزانها بثقتها بالله ودخلت هذا المجال الصعب لتصبح خلال ثلاث سنوات بطلة عالمية. كادت عيناي تدمعان عندما سمعتها تقول في حوار تلفزيوني على خلفية فقد والديها «ربي يأخذ منك ويعوضك.. ربي ما ينسى عبده.. ربي ما خلقنا علشان يرمينا بالدنيا»، فأي ثقة بالله أعظم من ثقة هذه الفتاة المكلومة المقبلة على الحياة. لقد انتصرت على أحزانها وأصبحت بطلة عالمية بتوفيقه وعونه، وبجهدها ومثابرتها.
الجانب الآخر من القصة هو أن منافستها في النزال الفتاة المصرية المسكينة كانت ضحية الثقة المفرطة والتعالي الذي حُقنت به من بعض مفردات الخطاب الشوفيني المتعالي؛ الذي ما زال البعض مصاباً به في بعض الدول العربية تجاه السعوديين، فقد ظهرت قبل المباراة وهي تنتقص من هتان وتسخر منها ومن مستوى اللعبة في المملكة، وتهددها لأنها «لسا ما قابلتش مصرية»، وهذه التعبئة والتلقين غالباً أتت من المحيطين بها في جهازها التدريبي ومشجعيها، وكانت النتيجة أنها خسرت أخلاق الرياضة، وخسرت النزال في وقت وجيز بالضربة القاضية للبطلة الرشيقة هتان، التي تحدثت بكل رقي عن زميلتها المهزومة.
جوهر القصة هنا أنه ما زالت هناك أقوام تعيش على الماضي وفي الماضي، ولا تريد أن تصدق أن أقواماً سبقتها في كل شيء وأصبحت على مشارف العالم الأول أو ضمنه فعلاً، الشواهد كثيرة لكنهم يتعامون عنها، وكانت ضربة الـ(kick off) القاضية للبطلة هتان بمثابة أسلوب من أساليب إيقاظ أولئك النرجسيين.
شكراً بطلتنا هتان السيف، كم نحن فخورون بك، وبحاجة إلى أكثر من kick off في مجالات أخرى حتى يعرف المتعالون حجمهم وحقيقتهم.