على الموقع الإلكتروني الرسمي للمبعوث الخاص إلى سورية غير بيدرسون، تظهر العبارة التالية «إن المبعوث الخاص ملتزم بإشراك الحكومة السورية وهيئة المفاوضات السورية المعارضة وجميع اللاعبين الرئيسيين في حوار ومفاوضات مستدامة وشاملة» يعمل المبعوث الخاص على مجموعة كاملة من القضايا المحددة في القرار 2254.
هذا نص صريح وواضح متفق عليه في الأمم المتحدة، فيما أجمعت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن على تطبيق وتنفيذ هذا القرار بما في ذلك روسيا الحليف الأبرز لدمشق.
بموجب ما سبق، فإن المسار لبيدرسون هو تطبيق (القرار 2254)، وتهيئة طرفي التفاوض للبدء في تنفيذه، زد على ذلك حرصه على توحيد المواقف الدولية حول هذا القرار، وإن أراد الاجتهاد فقد يعمل على جمع التوافقات الإقليمية والدولية لتنفيذ هذا القرار.
توقف اجتماعات اللجنة الدستورية
لكن السؤال: هل يقوم بيدرسون بهذه المهمة الموكلة إليه من الأمم المتحدة؟ وللإجابة على ذلك نقول: في يوليو 2022، انعكس الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا على مشاورات اللجنة الدستورية السورية، إذ رفضت سويسرا منح الدبلوماسيين الروس تأشيرات دخول باعتبارهم أحد الأطراف الدولية الراعية لمشاورات تلك اللجنة، فيما طلبت موسكو نقل المشاورات إلى مكان آخر؛ وهو ما اصطدم برفض الأمم المتحدة، وكانت النتيجة توقف اجتماعات الجولة التاسعة بين طرفي الحكومة والمعارضة السورية.
كان توقف اللجنة الدستورية صفعة سياسية لجهود بيدرسون، حينها دعا المبعوث الأممي الأطراف السياسية إلى حماية العملية السياسية، وهو موقف طبيعي من مبعوث أممي حريص على تنفيذ مهمته المرتكزة على تنفيذ القرار 2254، لكن دعونا نرى هل، فعلاً، حافط بيدرسون على هذا القرار؟؛ وهو سؤال آخر معطوف على السؤال الأول المتعلق بتنفيذ المهمة.
الالتفاف على القرار الدولي
قبل توقف مشاورات اللجنة الدستورية، وفي بداية عام 2022، اختمرت فكرة جديدة في رأس بيدرسون لإيجاد طريق آخر للحل السياسي في سورية؛ وهي ما يسمى بمبادرة (خطوة بخطوة)، وملخصها عملية سياسية بالتجزئة بحيث تقدم الحكومة السورية خطوة إيجابية في المسار السياسي، فيما يتعلق باللاجئين أو المعتقلين، مقابل خطوة تطبيعية عربية مع الحكومة السورية، لكن هذه المبادرة لم تكن مفهومة بالنسبة للمعارضة، إذ كان السؤال الأساسي: هل يعني هذا الالتفاف على القرار الدولي وهو المستند الدولي الوحيد بيد هيئة التفاوض؛ خصوصاً أنه قرار جرت بموجبه مشاورات اللجنة الدستورية؛ ما يعني أن دمشق، أصلاً، منخرطة في هذا القرار الذي يصل في نهاية المطاف إلى مرحلة الحكم الانتقالي بمشاركة المعارضة والحكومة، وبالتالي قررت المعارضة ألا تتعاطى مع (لوغاريتمات سياسية) لا تؤدي إلى مكاسب، ومع ذلك عمل بيدرسون إلى الترويج لهذه المبادرة في العديد من الدول.
كانت تحركات بيدرسون مريبة بالنسبة للمعارضة، التي بقيت صامتة حتى يتبين (الخيط الأسود من الأبيض) في ليل بيدرسون المريب، إلى أن كبرت كرة الثلج أمام مرأى الأمم المتحدة، لتتجه مبادرة (الخطوة مقابل خطوة) إلى أن تأخذ مكان (القرار 2254)، كانت هذه لحظة اصطدام هيئة التفاوض مع المكتب الخاص للمبعوث الأممي.
صدمة ولغة شديدة اللهجة
ففي الاجتماع الأخير لهيئة التفاوض مع بيدرسون ومكتبه الخاص، حذرت الهيئة وبشكل شديد اللهجة من التمادي بسياسة الخطوة خطوة، وأن مهمة المبعوث هي فقط تنفيذ هذا القرار بكل تفاصيله، والبحث في السلال الأربع؛ وهي مكافحة الإرهاب، إنشاء حكم انتقالي، جدول زمني لوضع دستور للبلاد، وإجراء الانتخابات خلال 18 شهراً من بدء المرحلة الانتقالية.
ذهبت المعارضة إلى أبعد من ذلك في اللقاءات الخاصة مع مبعوثي الدول؛ منها الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الأمن وإبلاغ مبعوثي الدول أن العملية السياسية في خطر وهي تبتعد عن (القرار 2254)، لذلك كان حيز الإصغاء السياسي لمبعوثي الدول في جنيف في يومي 17 و18 من الشهر الجاري مختلفاً عما كان في السابق، وظهرت لغة جديدة تنتقد جمود المواقف الدولية حيال سورية، هذا التصعيد من المعارضة شكل صدمة للمبعوث الأممي.
لماذا فشل المبعوثون السابقون؟
فشل ثلاثة مبعوثين دوليين سبقوا بيدرسون في اكتشاف الحل، كان كوفي عنان الأكثر دهاءً حين استقال بعد ستة أشهر، بينما الأخضر الإبراهيمي الخبير في قضايا المنطقة كان مقامراً بقبول المهمة، لكنه استقال بعد عام وتسعة أشهر، فيما كان دي ميستورا الأكثر استمراراً استمر أربع سنوات وخمسة أشهر، كل هؤلاء ذهبوا دون أفق للحل على الطريقة الأممية، لكن بيدرسون يريد أن يكون (أرخميدس) الأمم المتحدة بأي ثمن، وهذه ليست مهمة سهلة، إذ سماها الأخضر الإبراهيمي «المهمة المستحيلة».
ربما من حق بيدرسون البحث عن نصر سياسي وأن يدخل تاريخ الأمم المتحدة، رغم أن تاريخها يفتقر للانتصارات السياسية، إلا أن اللعب في (جينات) قرارات مجلس الأمن يشكل سابقة خطيرة في الوساطات الأممية، فالحل الوحيد الذي يمكن من خلاله أن يكون بيدرسون (عرَّاب السلام) هو (القرار 2254)، أما كل محاولات اللعب على المبادرات، ترى فيها المعارضة السورية لعباً بالنار، ما لم تكن في إطار 2254.. الذي بات آخر أوراق المعارضة وآخر طوق للنجاة من أجل مستقبل سورية.