خلال فترة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وسائر المعسكر الغربي، كانت العمليات الاستخباراتية على أوجها بين الأطراف المتنافسة، وكان كل فريق يفتخر بفضح الآخر إذا ما نجح في اختراق أمني كبير أو النجاح في تجنيد جواسيس أو جلب مسؤولين كلاجئين سياسيين لدى الفريق المنافس.
وكانت تحرص أجهزة المخابرات النافذة مثل وكالة الاستخبارات المركزية السي أي إيه الأمريكية والكي جي بي السوفيتيه والأم اي 6 البريطانية على الترويج لنفسها من خلال نشر بطولاتها في الأفلام السينمائية والكتب والروايات والمسلسلات التلفزيونية، ولعل أنجح من قام بعمل ذلك هي الاستخبارات البريطانية عن طريق إطلاقها السينمائي لشخصية جيمس بوند الأسطورة الاستخباراتية الخارقة، الذي تحوّل إلى نجم عالمي يعكس إنجازات الجهاز.
ولم تكن هذه الأجهزة الاستخباراتية وحدها التي تسعى لصناعة سمعة جبارة وخارقة لنفسها فمنذ قيام إسرائيل على الأراضي الفلسطينية وجهاز الاستخبارات فيها المعروف باسم الموساد يقوم بمختلف العمليات من خطف وقتل وتفجير وتجنيد وتجسّس منها ما تم الإعلان عنه واكتشافه ومنه ما بقي في طي الكتمان، ومنها ما فشل وكان فضيحة مدوية.
ولعل أبرز محطات الفشل التي حدثت للموساد الضربة الخادعة التي قام بها أشرف مروان خلال حرب أكتوبر 73 وأدت إلى التحقيق في الإخفاقات المعلوماتية للاستخبارات الإسرائيلية وإقالة رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الجنرال ايلي زعيرا واثنين من مساعديه، وخروج رئيسة الوزراء جولدا مائير.
وهذه الأيام تعود آلة الترويج والتسويق للموساد بالتغني بقوة الجهاز بعد عمليات اغتيال عدة، تم تنفيذها في غزة وبيروت وطهران، ظهر فيها حجم الاختراق الحاصل في الطرف الآخر وتجنيد المتعاونين والجواسيس، وهي حملة دعائية الغرض الأساسي منها التغطية على الإخفاق الذي تسبب فيه جهاز الموساد في أكتوبر الماضي في غزة.
إضافة إلى ما يتم نشره وتداوله من أخبار لعمليات اغتيال تنسب للموساد (دون أن تقر وتعترف إسرائيل رسمياً بذلك ولم تنكره أيضاً) فالعالم أيضاً هو أمام حملة تحسين سمعة وإعادة ترويج وتسويق للاستخبارات الإسرائيلية. الكاتب الإسرائيلي رونين بيرجمان وضّح في كتابه الشهير «انهض واقتل أولاً» عن عمليات الاغتيال للموساد أن إسرائيل يجب أن تكون فزّاعة خوف وقوة أسطورية في المنطقة حتى تحقق أهدافها والمبالغة في إنجازاتها أهم وسائل تحقيق ذلك.