وعلى سبيل البهجة والإعجاب، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصور من منطقة جازان بعد الأمطار الغزيرة المتواصلة التي هطلت على ملامحها الجميلة وتفاصيلها العذبة، فزادتها جمالاً وعذوبة، امتلأت المواقع بصور متنوعة لجبالها وسهولها وضفاف أوديتها، مدنها وقراها، وكلها مكسوة باللون الأخضر الذي يشرح النفس، وتنوعت أوصاف المعلقين على تلك المناظر الخلابة لتصل إلى شبه إجماع على أنها درة سياحية فريدة بما تجمعه من تنويعات جغرافية متقاربة ونادرة الاجتماع في أي منطقة أخرى، وهذه حقيقة فعلية معروفة، وليس انجرافاً عاطفياً لشخص ينتمي إليها.
لن أتحدث عن جازان بصفتها سلة غذاء المملكة -وهذا أيضاً ليس وصفاً عاطفياً وإنما مصطلح أطلقته عليها منظمة الفاو منتصف القرن الماضي- ولكن سنتحدث قليلاً بقدر ما تسمح به المساحة عن جازان سياحياً، التي تحتاج إلى المزيد والمزيد كي تكون منطقة جذب سياحية على مدار العام وليس في فصل الشتاء فقط، كما هو التركيز عليها الآن من خلال موسم شتاء جازان الذي يتم بجهود مقدرة لأمانة المنطقة بإشراف الإمارة، ويتطور عاماً بعد آخر بقدر ما تسمح به الإمكانات المتوفرة.
جازان منطقة سياحية من العيار الثقيل إذا ما توفرت فيها صناعة سياحية متخصصة تستثمر كل مقوماتها المتنوعة على مدار العام. السياحة الجبلية ممكنة جداً وستكون ناجحة بالتأكيد إذا ما دخلت فيها شركات متخصصة في هذا المجال، سياحة الجزر والشواطئ الفيروزية ستكون مذهلة طوال العام أيضاً عندما يستثمرها رأسمال عالمي متخصص في هذا النوع من السياحة، وكذلك السياحة الريفية في سهولها وحول وديانها ومزارعها سيكون لها رواج وإقبال كبيران، خصوصاً أن هناك مهرجانات تقام الآن لبعض منتجاتها الزراعية مثل المانجو والفواكه الاستوائية، والفل والنباتات العطرية، وكذلك مهرجان القهوة، وكثير غيرها التي تشهد إقبالاً كبيراً من أهالي المنطقة وجوارها، لكن بالإمكان أن تكون مواسم جذب وطني، وربما على نطاق أوسع عندما تديرها شركات عالمية متخصصة في تنظيم المهرجانات وتحظى بترويج إعلامي احترافي واسع.
ما زلت أتخيل كيف للسائح أن يقضي نهاراً في طقس بارد لذيذ منعش حتى في عز الصيف وهو في جبال فيفاء أو في أعجوبة وادي لجب، ثم يمضي ليله بجوار النجوم ليصحو باكراً نزولاً باتجاه مزارعها الخصيبة ليقضي سحابةً من نهار متجولاً بينها، ثم يمخر عباب البحر مساءً متجولاً بين جزرها الجميلة حيث يستمتع بالعشاء من خيرات البحر على أنغام الموسيقى الشعبية الفلكلورية الحية، ليصحو فجر الغد على سيمفونية النوارس والقماري. إنه حلم ممكن جداً، يفعله أبناؤها بطريقتهم وإمكاناتهم المتوفرة، لكننا نريد أن يعيشه الآخرون من كل مكان بطريقة سياحية حديثة متطورة. أكرر التأكيد أن المنطقة قفزت تنموياً بشكل هائل خلال العقدين الماضيين، لكننا نطمح أن تقفز سياحياً بشكل أكبر وأجمل، ونحن قادرون على ذلك.