•• بين الحين والآخر؛ تخترق ذاكرتي أيامٌ قديمة يسيل من نوافذها الخريف.. أيامٌ كانت فيها أشرعة رياح روحي تمتلئ بتساؤلات مراهق يحلِّق وكأنه طير رخامي اللون.. أيامٌ كنت أرتدي فيها قناع الزمان القاسي ولكني أنشد فيها الكمال.. صور قديمة تدثرت بالزمان ولقطات عتيقة تناثرت ألوانها أمامي حين كنت أبحث عن جمال حياتي.. إلى أن اكتشفت أن جمالنا كبشر في عدم كمالنا.
•• يمر علينا شخص «مكانه سر» بنفس التفكير والسلوك والتصرفات، قاسياً على نفسه في بعض مواقف الحياة.. هذا «الأبلة» الذي ظل يظن نفسه أنه عبقري بنفس قدر العباقرة، سيأتيه يوماً يخرج فيه من زمن العباقرة.. فليس من الغريب أن يصبح مفلساً في مرحلة متقدمة من حياته.. وليس من الغريب أن يأتي عليه يوم يعزف فيه أنغام ندم تثير مشاعره حد الدموع.
•• من يتأمل النقص في دنياه سيُمنح «صحوة موت» تنقذ عَالَمه.. ومن يمتلك أفكاراً متصلة تطوِّر ذاته؛ سيعلو عيشته «صوت نجاح» في محيط جميل.. ومن يتحرر من هينمة زمن بطقوسه الغليظة الجِلفة الجافة؛ سيتفنن في تحويل صفحاته السوداء إلى بيضاء أكثر بياضاً من اللؤلؤ الطبيعي.. ومن يناضل للانفلات من ذات مهمشة إلى روح فاعلة؛ سيغير ملامح أحلامه ويرسم جغرافيا جديدة لحياته.
•• شيء عجيب أن نرى من يبتكر شيئاً من الإسقاطات على حياته في زمن العلم والتقنية.. هذا المبالغ في الغطرسة أمام بساطة الحياة لن يجد من يحيطه بالأحضان وتبادل القبلات.. فاغر الفم هذا، الغارق في الغرابة، المتثائب بلا نهاية؛ صوته يحمل مزيجاً عنيفاً من «بقبقة» دجاجة غاضبة.. فعندنا تقترب شمسه من المغيب سيشعر بالتعب ليغادر حياة أناس تبادلوا عنه الأحاديث الضاحكة.