أكثر من 200 يوم على حرب التدمير والتقتيل الإسرائيلية في غزة، ولا يزال سيناريو النهاية مجهولاً، مع قرب اجتياح رفح. أكثر من ربع مليون مجند استدعاهم جيش الاحتلال في هذه الحرب المفتوحة، التي تقدر كلفتها شهرياً بنحو خمسة مليارات دولار.
مع بداية العام الحالي 2024، وسعت الحكومة الإسرائيلية الإطار العام للموازنة لتبلغ قيمتها 584.1 مليار شيكل (157.8 مليار دولار) بإضافة 100 مليار شيكل (27 مليار دولار) لتغطية تكلفة الحرب، بينما ارتفعت ميزانية الدفاع إلى 117 مليار دولار عن الميزانية الأصلية، ولا أحد يعرف حتى الآن إلى أين تتجه هذه الحرب، بينما بدأت إسرائيل تدخل في مواجهات مع الحلفاء.
لن نتحدث عن القتلى الفلسطينيين الذين بات من الصعوبة حصرهم في ظل حمام الدم اليومي، ولن نتحدث عن حجم الدمار والتهجير الذي خرج عن حدود المعقول، إذ تحولت غزة إلى رماد وأنقاض.
إلا أن السؤال الذي يشغل الكتاب والمحللين هو: متى تنتهي هذه الحرب، بعد أن كادت أن تتحول إلى حرب إقليمية بدخول إيران إلى حلبة الصراع؟ وهل ستبقى الولايات المتحدة تمارس الدبلوماسية الناعمة مع نتنياهو، أم أنها ضاقت ذرعاً بممارساته وتعنته؟
خلال المكالمة الهاتفية بين الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في الرابع من أبريل الجاري، هدده بأن استمرار الدعم الأمريكي للحرب في غزة يعتمد على الإجراءات الإسرائيلية لحماية المدنيين، وحثه على التوصل إلى «وقف فوري لإطلاق النار»، داعياً إياه إلى إعلان وتنفيذ سلسلة من الخطوات المحددة والملموسة والقابلة للقياس لمعالجة الضرر الذي يلحق بالمدنيين والمعاناة الإنسانية وسلامة عمال الإغاثة.
بالنسبة لنتنياهو، فإنه لا يزال يشعر أنه فوق الحسابات السياسية الأمريكية وفوق الحسابات الدولية والقانونية والإنسانية، وهو ما دفع مسؤولين إسرائيليين إلى اعتبار أن مثل هذا الخطاب الأمريكي صفعة، وربما طعنة في الظهر، بل ذهبت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي إلى أبعد من ذلك في حديثها مع شبكة (آر تي إي) الأمريكية، إذ دعت، الأسبوع الماضي، نتنياهو إلى التنحي، وهاجمته باعتباره عقبة أمام السلام، وهي نقطة أخرى تكشف الشرخ المتزايد بين الديمقراطيين ورئيس وزراء إسرائيل، وانتقدت بيلوسي الإخفاقات الأمنية التي أدت إلى هجوم 7 أكتوبر.
وقالت بيلوسي: «استقال رجل استخباراته، ويجب عليه أن يستقيل»، في إشارة إلى نتنياهو. صحيح أن بيلوسي خارج دائرة الحكم والسلطة في الولايات المتحدة، إلا أن هذا مؤشر على مدى إحراج نتنياهو للحليف الأكبر.
يريد نتنياهو خلق واقع جديد في الشرق الأوسط، ورسم قواعد اشتباك جديدة على مسرح العلاقات الدولية المتداخلة في المنطقة، ولا يخفى أن نتنياهو ومجلس حربه يحضر اليوم لعمليات عسكرية في لبنان أيضا من خلال التسخين التدريجي لجبهة جنوب لبنان.
لكن المشكلة أن إسرائيل لم تكن يوماً من الأيام منذ احتلالها فلسطين، جزءاً من فريق راسمي الخرائط في الشرق الأوسط، كان ذلك على الدوام من اختصاص الدول العظمى.
كانت بريطانيا وفرنسا في القرن الماضي الدولتين الوحيدتين في العالم اللتين تمتلكان القوة والنفوذ والخبرة في رسم الخرائط كما حدث في (سايكس بيكو)، ومن ثم دخلت الولايات المتحدة اليوم على الخط بعد تراجع الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية في الشرق الأوسط، ولا تزال أمريكا سيدة اللعبة والقرار على المستوى العالمي.
وهنا التحول الجديد في الفلسفة الإسرائيلية السياسية والعسكرية، إذ يريد نتنياهو أن يكون جزءاً من الصف الأول القادر على رسم السياسيات الإقليمية، وهذا يتعارض مطلقاً مع السياسة الأمريكية على المدى الإستراتيجي، لذا فإن صبر أمريكا والعالم لن يستمر على تمادي نتنياهو، ثمة هوامش سياسية وعسكرية يمكن لإسرائيل أن تتحرك ضمنها، لكن الخروج عن هذه الهوامش يؤثر في شكل القوة الدولية المسيطرة، خصوصاً أن ممارسات نتنياهو تحاول أن تخرج عن سياق إسرائيل كدولة محاطة بالخصوم، إذ باتت مساعي هذا الرجل تكمن في الحرب المفتوحة والمتدحرجة كما حدث مع إيران.
لا يمكن القول على الإطلاق إن هناك صراعاً أمريكياً إسرائيلياً بالطبع، وهذا لن يحدث، إلا أن هناك، حتماً، محاولة لإعادة التموضع وتثبيت شكل العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
هذه الحرب في بدايتها، كانت حرباً أمريكية إسرائيلية بسبب ما فعلته (حماس) من إثارة الرأي العام الدولي (الغربي)، إلا أن استمرار الحرب بالتأكيد ليس في صالح أمريكا التي تحكمها عدة اعتبارات أبعدها الانتخابات القادمة، وبالتالي انتهت حرب أمريكا والغرب في تحجيم دور حماس، إلا أن حرب نتنياهو لا تزال مستمرة، إلى أن تضع أمريكا حداً لها، وهذا ليس ببعيد، فكل يوم في المنطقة يجعلها أكثر توتراً وقابلية للانفجار، وهذا ليس في صالح القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة.