في مقاله «خدمة التوصيل المنزلي.. الخطر الكامن!» بتاريخ 26/8/2024، قدم الأستاذ نجيب يماني وجهة نظر نقدية حول انتشار خدمات التوصيل المنزلي، مشيراً إلى ما يراه من مخاطر محتملة تؤثر على المجتمع. وبينما أقدر حرصه على تناول هذه القضية من زوايا متعددة، أرى أنه من الضروري تقديم وجهة نظر أخرى تسلط الضوء على الفوائد الكبيرة التي تقدمها هذه الخدمات، وتضع في الاعتبار التطور الطبيعي الذي يشهده مجتمعنا.
تعتبر خدمات التوصيل المنزلي اليوم جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وهي استجابة طبيعية للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي نعيشها. بينما يرى الكاتب أن هذه الخدمات يجب أن تظل «حالة استثنائية» تُستخدم فقط في حالات الضرورة القصوى، أرى أن هذا الرأي يتجاهل حقيقة أن هذه الخدمات تلبي احتياجات فعلية وملحة لكثير من الناس. في المدن الكبرى، حيث يتزايد ضغط الوقت والتزامات الحياة، مما جعل هذه الخدمات ضرورة تساعد الأفراد على إدارة وقتهم بشكل أفضل.
كما أشار الكاتب إلى أن الاعتماد المتزايد على خدمات التوصيل يؤدي إلى حالة من الاتكال والخمول لدى الأفراد. صحيح أن الاعتماد الزائد على أي خدمة قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية، ولكن من الخطأ تعميم هذا الأمر على جميع مستخدمي خدمات التوصيل. الكثير من الناس يستخدمون هذه الخدمات كوسيلة لتوفير الوقت والجهد، وليس بسبب الكسل. التوازن هو المفتاح، إذ يمكن للأفراد الاستفادة من هذه الخدمات مع الاستمرار في تحمّل مسؤولياتهم اليومية والاعتماد على أنفسهم في إدارة حياتهم.
كما أن ما أشار إليه الأستاذ نجيب من حيث أثر خدمات التوصيل في فقدان التفاعل الاجتماعي داخل الأسر نتيجة الاعتماد على خدمات التوصيل، مشيراً إلى أن هذه الخدمات تحرم الأسرة من الاجتماع على مائدة واحدة. لكن في الواقع، أرى أنه يمكن لهذه الخدمات أن توفر للعائلات وقتاً أكبر للتركيز على قضاء وقت نوعي ومميز معاً، دون الانشغال بالمهام اليومية المرهقة. الاجتماعات الأسرية لا تتطلب بالضرورة تحضير الطعام من البداية إلى النهاية، فالأهم هو جودة الوقت الذي تقضيه الأسرة معاً.
أما فيما يتعلق بالمخاوف الصحية، فإن الاعتماد على خدمات التوصيل لا يعني بالضرورة الانغماس في الأطعمة غير الصحية. ففي يومنا هذا، توفر العديد من المطاعم خيارات غذائية متوازنة وصحية يمكن الحصول عليها عبر التوصيل. فالصحة العامة لا تتعلق فقط بنوع الطعام المتاح، بل بكيفية اختيار الفرد لما يناسبه منها. كما أن القوانين والأنظمة الصحية التي تحكم عمل هذه الخدمات تضمن إلى حد كبير سلامة وجودة ما يُقدم.
من ناحية أخرى، يتناول الكاتب الفاضل قضية الاختلالات الاجتماعية المحتملة نتيجة انتشار خدمات التوصيل، مثل تداول أرقام الهواتف والتواصل غير المرغوب فيه. وهنا أود أن أؤكد أن مثل هذه القضايا يمكن التعامل معها من خلال تنظيم جيد للخدمات والتزام الشركات بتطبيق معايير صارمة تحمي خصوصية العملاء. التكنولوجيا الحديثة توفر العديد من الوسائل التي تضمن سلامة وأمن المستخدمين، ولا ينبغي أن تكون هذه المخاوف سبباً في تقييد أو منع الخدمات التي تلبي احتياجات المجتمع.
في ختام مقاله، يدعو الأستاذ نجيب يماني إلى دراسة شاملة لظاهرة خدمات التوصيل، مع تأكيده على ضرورة الحد من انتشارها لتظل «حالة استثنائية». بينما أتفق على أهمية الدراسة والتحليل، أرى أن الهدف يجب أن يكون تحسين جودة هذه الخدمات وتنظيمها لتكون أكثر أماناً وفعالية، وليس الحد من انتشارها أو تقييدها.
وختاماً أرى أن خدمات التوصيل المنزلي ليست ظاهرة سلبية يجب الحد منها، بل هي جزء من التطور الطبيعي لمجتمعنا الحديث. التحدي الحقيقي يكمن في كيفية تنظيم هذه الخدمات وتحسينها لتلبية احتياجاتنا المتزايدة، مع مراعاة الجوانب الصحية والاجتماعية والاقتصادية بشكل متوازن. التكنولوجيا الحديثة تقدم لنا فرصاً كبيرة لتحسين حياتنا، والمطلوب هو استخدامها بشكل مسؤول وفعّال لضمان تحقيق أقصى فائدة منها.
مع احترامي لرأي الكاتب الكبير الأستاذ نجيب يماني على طرحه لهذه القضايا المهمة، وعلى دعوته لمناقشة تأثيرات خدمات التوصيل المنزلي على مجتمعنا. إن مثل هذه الأطروحات تساهم في توجيهنا نحو حلول أفضل وأكثر توازناً، وتحفزنا على التفكير في كيفية الاستفادة القصوى من الخدمات الحديثة دون المساس بقيمنا ومبادئنا الأساسية.