نجاح الشاعر الإعلامي سعد زهير الشمراني، ليس مرتبطاً بموهبته، بل أسهمت فيه أدبيات المجتمع الريفي، وعززته مجالس الرجال، وتكرّست النجاحات بما حاز من خبرات، في ظل تعلقه بالجمال ومكامنه الصعبة أحياناً، وهنا مسامرة مع الجنوبي الذي أطرب جبال السراة بنثر همه على صدر غيمة جنوبية:
• أين هي غيمتك الجنوبية التي نثرت همك على متنها ذات مساء ؟
•• غيمتي معي أينما أحل وارتحل، في حقيبة سفري وحقيبة ذكرياتي وصندوق أماناتي.
تسوقها الرياح وتردها الجراح.
هي معي حتى من قبل أن تتشكل في جسد القصيدة.
فو الله ما مرت على البال غيمةٌ
جنوبيةٌ إلا وفز لها قلبي
ولا صوت رعدٍ ضجّ إلا سمعتُه
يقول بأعلى صوته (يا عرب ربي).
• كيف توازن بين الإعلامي القلق والشاعر الرومانسي داخلك ؟
•• قلق الشعر لا يقل عن قلق الإعلام وربما يكون أمر وأدهى، هما ضرتان كل واحدة أخبث من الأخرى.
الشعر صديقي الذي لا يخذلني، قد أضعه على الرف لعدة أشهر ثم أعود إليه فأجده كما تركته وكأنني لم أفارقه.
ربما في فترة زمنية مصت حسمت هذا الأمر، فكلما اقتربت من الإعلام نحيت الشعر جانباً، أو بالأحرى هو يتنحى مكرهاً، هذا الحسم كان قبل التقاعد بطبيعة الحال.
• لماذا يسكننا حنين لأيامنا الأولى ؟
•• الحنين للماضي فطرة بشرية. وربما نحنّ لأشياء محدودة من ماضينا. نحنّ لآبائنا وأهلنا الذين ألفنا العيش معهم، ونحنّ إليهم في رمضان والأعياد. عني شخصياً لا أجدني مسكوناً بحنين للماضي غير ما ذكرت. بل إنني أشعر أحياناً بالضجر لعدم توفر ما أسخت به الحياة الجديدة لأبناء هذا الجيل.
جيت في غير ميعادي
• إلى أي جهةٍ تشير بوصلتك في رمضان ولماذا ؟
•• إلى جدة. ولا شيء غير جدة. ولا أتصور أن أعيش رمضان في غير جدة. حتى مع ما يعتريني من متغيرات ونزوعي للوحدة والبيت في الآونة الأخيرة إلا أن جدة لا زالت تستوطن الروح. دُعيت قبل أيام لبرنامج في الرياض. فذهبت لتقديم البرنامج وعدت في الليلة ذاتها. تخيل ؟!
• ما هي وجبتك الدسمة التي تفكر بها وأنت صائم ؟
•• أكتفي بـ(اللمة) الطيبة مع الأسرة وقليل من الأصدقاء كل أسبوع. تلك أشهى الوجبات.
• ماذا قلت ساعة قدومك للدنيا ؟
••أنا اللي حملت الورد لاجل أسعد الزوار
وليلة قدومي تنتحر فرحة أعيادي
بكفي حملت الجرح وبكف شلت الطار
أغني مثل غيري كأني بشر عادي
تعودت من صغري اتبع الذنب باستغفار
كثيرين قالوا جيت في غير ميعادي.
بكاء الآيباد
• وهل بكيت عند ولادتك ؟
•• ربما بكيت لأنني لم أجد جهاز آيباد أمامي ولم يكن بمقدوري التواصل مع أقراني عبر شبكة الإنترنت التي لا أعرفها إلا بعد المرحلة الجامعية بسنوات.
• من كانت قابلتك ومن الذي اختار لك اسمك ؟
•• قابلتي ؟!!!! هههههه. أظنها ليست واحدة. بل فريق من نساء القرية.
اسمي اختاره والدي نسبة لأحد أصدقائه وهو سعد بن شويل، رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان. هذا الرجل الكريم النبيل كان يلقاني في سوق الثلاثاء ويضع في جيبي مئة ريال في الوقت الذي يتسوق فيه أقراني بريال واحد وربما بأقل من ذلك.
• كم ترتيبك بين إخوتك ؟
•• أنا الأوسط بين إخوتي. ولا أعرف هل هذه الوسطية نعمة أم نقمة. لأن الأوسط دائماً يعيش (اتكالياً) على إخوانه الكبار في المهمات الكبيرة وعلى إخوانه الصغار في المهمات الصغيرة. فلا يحمل المسؤولية وهكذا يعيش طوال حياته.
المذيع التقليدي
• ماذا في ذهنك من شقاوة الطفولة ؟
•• لم أكن شقياً بما يكفي أن أتسم بهذه الصفة. ربما كنت من أصحاب الشقاوة الصامتة. شيطنتي مختلفة تماماً. ما أعرفه أنني كنت أحب اللعب بأجهزة الراديو المعطلة. زعماً مني أنني أقوم بإصلاحها واكتشاف الكائنات الصغيرة التي تنبعث منها الأصوات.
• هل احتفلت أسرتك بقدومك.. ما نوع الاحتفال وما سببه ؟
•• اتكاءً على ما تواتر عليه الرواة أنه كان احتفالاً تقليدياً كما يفعل القرويون مع قدوم المولود الجديد. في حين كان الاحتفال بقدوم أخي، الذي يصغرني، كبيراً وسجل ترنداً لعدة أيام في القبيلة من تهامة إلى تبالة لإعلان مراسم (السماوة).
• ما الذي تحتفظ به ذاكرتك من القرية ؟
•• المطر والغيمات التي تكسو رؤوس الجبال بثيابها والضباب والبرد وطابور الصباح وحصة الكيمياء والرياضيات وسبعة حجار والدسيسا والحقول والمراعي ومجالس السمر والفنون الشعبية. والقائمة تطول.
• ماذا يعني انتماؤك للعمل الإذاعي، والتلفزيوني؛ وهل يتألم المذيع لو تنكرت له مهنته ؟
•• المذيع المحب لمهنته والمخلص لها يبقى مذيعاً في كل الحالات. غير أنه في زمن كهذا تكاثرت فيه وسائل الإعلام والاتصال يظل المذيع التقليدي معزولاً عن مجتمعه ما لم يواكب قفزات التقنية الحديثة من حوله.
المذيع ليس موظفاً عادياً تنتهي حياته المهنية بانتهاء وظيفته. صوته معه وملَكته معه وفوق ذلك تجربته. عندما يخون المشرط يد الجراح لا يعني حتماً أن الخلل في اليد. وإن حدث فلا بد أن الجراح لم يتعرف على البدائل الحديثة للمشرط.
رجال رغم طفولتهم
• على ماذا استيقظ وعيك المبكر من الأحداث والمواقف والناس ؟
•• مشكلة كثير من الذين تربوا ونشأوا في بيئة قبلية وقروية أنهم يعيشون رجالاً منذ طفولتهم. فتجدهم يستقبلون الضيف ويرحبون به ويقدمون له واجب الضيافة ويقفون في المعراض وقد يقفزون إلى مقدمته لينشدوا القصائد ثم يستبقوا على شد الضيوف من أول المعراض لاستضافتهم والويل لمن يعود منهم وليس معه ضيف من الوفد القادم.
تلك العوالم أنستهم طفولتهم حتى إذا كبروا وجدوا أن مرحلة من حياتهم مرت دون التلذذ بها كما ينبغي.
• كيف كان أوّل يوم صيام في حياتك وما موقف والدتك ووالدك من صومك المبكر، وهل أذنا لك أو أحدهما بقطع الصيام بحكم الإرهاق ؟
•• والدي، رحمه الله، كان رحيماً بنا ساعة الرحمة. شديداً ساعة الشدة. كان يحرص على إيقاظ كل من في المنزل لتناول السحور حتى نحن الصغار الذين لم نصم بعد. خشية أن نُترك بلا طعام طوال اليوم. وكان يشجعنا على الصيام ولكنه لا يكرهنا عليه. ويعطي جائزة لمن يتم يوماً كاملاً وربما يحسب لمن صام نصف نهار كأنه صام النهار كله.
صمت أول يوم نصف نهار وكأنه شهر بكامله. كان الوقت في عز الصيف وكنا ننام مبكرين ونصحو للسحور مجبرين ولا نعد للنوم ثانية إلا بعد المغرب. بعكس ما يحدث في هذا الزمن.
مرسول للجيران
• على ماذا كانت تتسحر الأسرة في ذلك الوقت ؟
•• على منتوجات الزراعة المحلية بالطبع وشيء من التمر والحليب واللبن الطبيعي والمأكولات الشعبية. لكني كنت أوفر حظاً من الجيل الذي سبقني بعد أن أدركتنا بركات الأرض بأرزها وتفاحها وموزها وبرتقالها وهو الفتح الكبير الذي لم يظفر به من كان قبلنا.
• ما هو النشاط المنزلي الذي كنت تُكلّف به ؟
•• يا أخي أشعر أن أسئلتك بحثية وجنائية أكثر من كونها صحفية. لكني شقيت بحسن ظني والضرب على صدري وكلمة أبشر. هذا كلام معترض. أما النشاط فكل شيء يخطر على بالك.
كان أول عمل تم تكليفي به هو (مرسول) لإيصال الطعام إلى البيوت المجاورة في ظلمة ليل القرية الحالك وشدة برده.
ثم مرافقاً للوفد الزائر لقطع عذوق النخيل من تبالة النخل.
وعملت مساعداً لمهندسي أعطال ماكينات جلب الماء من البئر.
ثم تمت ترقيتي وأنا في الخامس ابتدائي إلى رتبة كابتن (قلاب) لحمل المنتجات الزراعية من الحقول إلى المنازل وإحضار أصدقاء والدي من القرى المجاورة وإعادتهم بعد العشاء.
وعندما حل الفتح الكبير بدخول التلفزيون. عملت مهندساً لإيصال البث التلفزيوني إلى المنازل في القرية والقرى المجاورة.
كل ذلك وأنا لم أبلغ المرحلة الثانوية بعد.
• أي فرق أو ميزة كنت تشعر أنك تمايز بها أقرانك ؟
•• في القرية لا تمايز بيننا ولا طبقيات. فكلنا نحمل نفس السمات عدا أنني كنت أحفظ الشعر ربما أكثر من غيري وأعشق الراديو وأمتلك سيارة مازدا سيدان ٤٢٤ في الوقت، الذي كان جل السيارات في القرية من نوع القلابات والوانيتات.
وربما كنت طويلاً حد أن زملائي كانوا إذا قدمت إليهم يقولون.
(أتاك الطويل الطلق يختال ضاحكاً).
صوت المسحراتي
• من تتذكر من زملاء الطفولة ؟
•• كل أو جل زملاء الطفولة أذكرهم حتى أنني قبل عدة سنوات أنشأت مجموعة في تطبيق (الواتس أب) لزملاء المرحلة الثانوية ولا زال مفعلاً حتى الآن.
• كيف تقضي يومك الرمضاني ؟
•• كما يقضيه بقية خلق الله من الصائمين.
• ما هي المواقف الرمضانية العالقة بالذهن وعصيّة على النسيان ؟
•• ربما هو مشهد أكثر من كونه موقفاً.
وهو صوت المسحراتي الذي ينطلق عبر مكبر الصوت اليدوي من سطح منزله لإيقاظ الناس للسحور. وينادي بعض أهل القرية بأسمائهم حتى لا يعتبوا عليه في اليوم التالي. هذا الصوت الذي تطور فيما بعد لينطلق من مكبرات المسجد بعد دخول الكهرباء لا زال عالقاً بالذاكرة ولا أعرف حقاً كيف أصف ذلك الشعور الذي ينتابني كلما سمعته آنذاك. هو شعور ممزوج بين الفرح والأمن والهدوء.
• ما برنامجك الرمضاني من الفجر إلى السحور ؟
•• لا شيء مختلفاً، عدا أنني في هذا العام أمارس رياضة المشي قبيل الإفطار، وأحاول ليلاً إنجاز بعض المشاريع الكتابية المؤجلة منذ سنوات.
• أي الطبخات أو الأكلات أو الأطباق تحرص على أن تكون على مائدتك الرمضانية ؟
•• كل الأكلات الرمضانية التي ألفتها في كل عام أصبحت لا تعنيني أكثر من كونها مائدة للعين بعد أن أصبحت مهدداً بالسكر. حتى قبل رمضان لست من الباحثين عن الوجبات والأطباق ولا أعرف أن لي وجبة معينة محببة دون غيرها. ولذا تجدني أجهل الناس في المطاعم الشهيرة.
• هل تتابع برامج إذاعية أو تلفزيونية، وما هي ؟
•• لم أجد أي حماس لمتابعة أي برنامج.
كل البرامج نسخ مكررة من بعضها ولم تعد تضيف لي شيئاً جديداً. أكتفي فقط بمعرفة من يتصدر المشهد كنوع من البقاء على ذمة المهنة. ربما لغياب ناصر القصبي دور في ذلك. مع أنني أرى أن غيابه أتاح الفرصة لعدد كبير من الأعمال بالظهور وتم توزيع خيارات المشاهدة على الجميع بعد أن بقي حصراً عليه لسنوات عديدة.
لعلي توجهت منذ فترة نحو برامج البودكاست. وشدني برنامج أسمار للرائعين عبدالله العنزي وحمود الصاهود وفيصل الشهراني.
لا أتابع برامج رمضانية ولا مسلسلات تلفزيونية وكل ما أتابع هو ما أراه في اليوتيوب الذي يأخذني بقوة نحو ما يستهويني بذكائه المدهش.
• قدم الفنان ماجد المهندس أغنية (غيمة جنوبية ) كشارة لمسلسل (سكة سفر) في موسمه الثالث الذي يعرض حالياً على mbc وشاهد. وتم كتابة اسمك في تتر الشارة ككاتب للكلمات. حدثنا عن هذا التعاون ؟
•• فوجئت به عن طريق رسائل الأصدقاء وليس لي به علم. ومع وافر شكري للقائمين على المسلسل لحفظهم حقي الأدبي وإعادة تسجيل العمل بتوزيع مختلف لكني تمنيت ألا يكون في رمضان. فرمضان كما تعودنا ليس مهيأً لأعمال كهذه وكل القنوات والإذاعات تتوقف عن بث الأعمال الغنائية العاطفية في رمضان.
• لماذا يتناقص عدد الأصدقاء كلما تقدم بنا العمر ؟
•• ربما لأننا أصبحنا انتقائيين بشكل أكثر صرامة. وربما أننا أدركنا مع مرور الوقت وتقدم العمر أن الأسرة هي الصديق الحقيقي الذي يجب أن نلتفت إليه وأننا تأخرنا في الوصول إلى هذه الحقيقة.
ميال للراقي الأنيق
• ما هي حكمتك الأثيرة، وبيت الشعر الذي تترنم به؛ واللون الذي تعشق ؟
•• حكمتي: كما تدين تدان.
بيت الشعر:
لا عذر للشجر الذي طابت له..
أعراقه ألا يطيب جناه. للبحتري
• أي كتاب تقرأ؟ اليوم ؟
•• اليوم أقرأ الكتاب الذي يقرؤه كل الصائمين.
• هل لك ميول رياضية، وما فريقك المفضل ؟
•• كنت ميّالاً للراقي الأنيق. وكتبت له عدة قصائد. ولا زلت ولكنه ميول سطحي بعيداً عن العنصرية والتعصب الأعمى.
• هل أنستك جدة البشائر ؟
•• بل آنستني عن البشائر. كنت أبكي كلما غادرت البشائر حتى أصل إلى جدة. ومع مرور الوقت صرت أبكي كلما غادرت جدة حتى أعود إليها ثانية.
كتبت البشائر وجدة شعراً غير أن جدة كان لها النصيب الأكبر بكونها تحتضن ثلثي حياتي.