تمرّ الدول بمنعطفات، وتتعرض لضغوط وأزمات، منها المتوقعة؛ ومنها غير المتوقعة، ومنها الخَطِر ومنها شديد الخطورة، وتضيف الوقائع المُكلِفة إلى أعمار الدول والشعوب، أعواماً وأعماراً، بحكم ما يترتب عليها من تضحيات وخبرات.
ولعل البشر بمن فيهم (صُنّاع القرار) يجدون أنفسهم أحياناً أمام منعطف مفاجئ، يقتضي سرعة الإدراك، والاستدراك ما أمكن؛ وتتجلى مهارة القيادات الفذّة في حلحلة ما يمكن حلحلته، واستيعاب ما يجري لتوفير الحلول؛ ولعل ذاكرة البعض لا تزال تحتفظ بأهوال وتبعات سياسات لا مسؤولة إبان فترة حرب الخليج الثانية، واحتلال الرئيس العراقي صدام حسين لدولة الكويت، وتهديده أمن المملكة، وكيف كانت لبلادنا وقيادتنا الكلمة الفصل، ما أسهم في ردّ الأمور إلى نصابها.
يمكن لكاتب ما قراءة التاريخ، وإن كان من العسير كتابته، وربما لم يطرأ في ذهن أسوأ المتشائمين، ولم يخامر بال أكبر المتطيّرين، أن العالم العربي سيمرّ بمنعطف خطر بنهاية العقد الأول من الألفية الميلادية الثالثة، عندما أوقعت مواقع التواصل شعوباً وحكومات في مصائد وفخاخ نُصبت له غدراً، وأطلقت عِنان حمقى ومغفلين، ليعادوا أوطانهم بشعارات أَطلق عليها ربابنة الفوضى الخلاقة (ربيعاً عربياً) لتبرير وتفسير سبب التطاول والتجاوز على منجز الدولة الوطنية.
ولم نكن، على ما لدى البعض، من إلمام بنزعات وتوجهات الإسلام السياسي؛ نتصوّر أن تمتد يد الغدر على جسد البيت العربي، فيما كانت عينُ المُخربين المجرمين على قلبه النابض، وكأنما عمدوا إلى أن تتحوّل دول بكامل كياناتها ومؤسساتها، إلى مركب هيّن ليّن يعبث به سماسرة ولصوص وراكبي موجات ثورات مصطنعة ومُزيفة.
وكانت بلاد الحرمين أعزها الله وحماها بفضل قادتها أمنع من أن تنال منها أهداف ونوايا سوداء، طمحت لوضعها بين قبضتي الحالمين، من الإخوان والسروريين، والطامعين من الفاسدين، وتوهموا أن بإمكانهم إلحاقها بمن سبق من عواصم عربية، غدروها بمباركة سياسات، ظاهرة وخفيّة، ولا أخالُ وطنيّاً غيوراً إلا وضع كفه على قلبه مردداً (سترك يا رب).
وكان لهذا الوطن السعودي حصانة، وحصون، منها تماسك جبهتنا الداخلية، وعراقة وتجذّر مؤسسة الحُكم، وحكمة وفطنة المُلهم سلمان بن عبدالعزيز، إذ سرعان ما تبدد قلق الأوفياء على منجزهم، ببركة القائد الذي خبر وعاصر وأدرك كل التحوّلات والمتغيرات، وسجّل اسمه بمداد من نور في صفحة الإنجازات.
ويُدرك كل ذي لبّ وبصيرة أن أحد أجنحة المكرّ (متمثلاً في الإخوانيّة والسرورية) ولّى إلى غير رجعة بفضل الله، ثم بجهود دولتنا المؤهلة (نظاماً وإقداماً) لإنهاء ودحر أي خطاب شاذ أو منحرف، فيما قصت في ذات الوقت جناح الفساد، ونجحت في اجتثاث أصوله، ولو ظلت بعض الذمم الضعيفة، إلا أنها لن تستعصي على قامة الدولة، ولن تفلت من ملاحقة (نزاهة) التي لن تستثني فاسداً مداناً بجُرم مشهود.
تمّت مبايعة (أبو فهد)، وتم اختيار الأمير محمد ولياً للعهد فانجلى الهم كلّه، لأن الأوفر حظاً في وعيه وبصيرته؛ يُدرك أننا ببركة مليكنا وولي عهدنا تخطينا، اللحظات الحرجة، وتجاوزنا المنعطفين الأخطر والخطير، الذي ولّى، والذي يوشك أن يتولّى، وتخلّصنا في عقد زمني واحد، من ألد أعداء التطور والتحضر والتمدن، ونجونا بفضل القرارات الصائبة من كارثة كاد أن يتعرّض لها (الوطن) على أيدي خونة على مستويين (أيديولوجي وأخلاقي) مادي ومعنوي، وقلّما تخلّصت منهما دول أقدم منا تجربة وخبرة وممارسة في زمن قياسي كزمننا.
مرّت عشرة أعوام خضراء، بقراراتها، ومنجزاتها، وعززت مخرجاتها المبهجة، بالتفاف شعب وفي حول قيادته، والانضواء تحت راية التوحيد، للعمل وفق رؤية نابضة بالانتماء والولاء، ويفخر السعودي بالانتساب لها، والعيش في عصرها، خصوصاً أنها أتاحت لكل القدرات، أن تسهم فيها، ولا سيما شباب وفتيات المملكة.
ومثل ما منح ملوك المملكة (الثقة) للملك سلمان بن عبدالعزيز، منذ يفاعته، لأنه أهلٌ لما مُنح، يمنح الملك سلمان الثقة وليّ عهده، ليدور بنا الزمن دورة جديدة؛ ويسهم المُلهم محمد بن سلمان في مسيرة النهضة بوفاء معهود، فهو خريج مدرسة الملك سلمان، الذي يُضربُ به المثل في دِقّة المواعيد، وإتقان العمل، وإنجاز المهام باقتدار واهتمام؛ وبما أن الملك القدوة حاضر بصفة يومية أمام (الأمير المُجدّد) فلا غرابة أن يستلهم من الشخصيّة الفريدة فرادتها، وأن يبني على هديها، صرحاً شامخ الكيان والبنيان، روحه التجديد والعصرنة.
ولا أرى التهويل أو التهوين من خطورة المنعطفات التي مرّ بها وطننا، بل أُرجّح كفّة الطمأنة، لأن ما أسّسه الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، على تقوى من الله ورضوان، غدا كياناً أقوى وأبهى خصوصاً في هذه الأعوام العشرة، بحكم ما وظفته دولتنا من مقدرات للارتقاء بالإنسان،
وتنمية المكان، ورسم إستراتيجيات ترفد بعضها بعضاً بالكوادر والكفاءات الوطنية، وتُراكم المكتسبات.
تلويحة: الذي بنى الوطن.. قادرٌ على حماية منجزاته.