ونقصد بـ«الشعوب» هنا شعوب معظم دول الغرب، وخاصة الغرب المتنفذ، بزعامة كبيرهم المعروف. وبـ«حكومات» نقصد حكومات الغرب المتنفذ. أما «الاختطاف»، فيعني أن هذه الحكومات كثيراً ما تعمل ضد رغبة غالبية شعوبها، ولصالح من اختطفها، ويهيمن عليها، وهم هنا الصهاينة، بما لديهم من تنظيمات مريبة. وهنا لا بد أن نستثني جمهورية آيرلندا... هذه الدولة الأبية، التي تقف -حكومةً وشعباً- دائماً مع الحق، خاصة حق الشعوب في الحرية، وتقرير المصير، وشجب العدوان، أياً كان مصدره. وسنكتب لاحقاً مقالاً عن مواقفها المشرفة، تجاه القضايا العادلة؛ وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
ولعل قمة نفاق، وخبث حكومات الغرب المتنفذ، تجلت في موقفها الإجرامي الداعم لما بدأت إسرائيل ترتكبه من حرب إبادة جماعية ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة، وكل فلسطين. فهي لم تكتف بتأييد هذه المجازر الصهيونية، بل أخذت تمد إسرائيل بالأسلحة، لتقتل بها الفلسطينيين، وتدمر بيوتهم ومنشآتهم، وبشكل غير مسبوق في التاريخ الحديث. وعمل أغلب ساسة الغرب المتنفذ ذلك، وما زالوا، عكس رغبة شعوبهم، ورغم مطالبة هذه الشعوب بوقف هذه المجازر. فئات كثيرة من شعوب هذا الغرب رفضت -وما زالت- حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها ربيبته إسرائيل... هذا الكيان الغاصب، والعنصري، والإرهابي، الذي يقف وراءه الغرب المتنفذ، داعماً... لدرجة المشاركة في ارتكاب المجازر الصهيونية ضد الشعب العربي الفلسطيني في غزة وكل فلسطين. ومن سوء حظ أمريكا، زعيمة هذا الغرب، أن مجازر غزة قد كشفت تماماً هذا العدوان الإجرامي السافر على شعب أعزل، وعرّت الادعاءات الصهيونية الباطلة. الأمر الذي دفع الشرفاء في العالم، بما فيه أمريكا، ليهبّوا ضد هذا العدوان، مطالبين بوقفه، بدل الاستمرار في إرسال الأسلحة لإسرائيل، لتواصل قتل المدنيين الفلسطينيين.
****
أثبتت معارضة هذه الحرب بأن الدنيا، أو جزء منها، ما زالت بخير. فما زال العالم يرى أن كثيراً من شعوب الدول الغربية تقف مع الحق، حتى عكس حكوماتها، ولا تقبل أي إجرام يرتكب باسمها. وإن عرفت به استنكرته. ذلك سلوك إنساني نبيل يحسب لهذه الشعوب الطيبة. ومع الإشادة بهذه الشعوب يجب أن نتذكر أن حكومات الغرب المتنفذ هي المسؤول (غير المباشر) عما يحدث بفلسطين، وبقية مآسي المنطقة، إذ إن تلك الحكومات أسهمت -أيما إسهام- في خلق تلك المآسي ابتداءً، أو ساهمت في تفاقمها لاحقاً، بالتخاذل المقصود، وتجاهل معاناة الشعوب... بل والتعتيم أحيانا على هذه المعاناة... بهدف تحقيق «مصالح» لها، أو نفوذ هنا، أو هناك. وهذه السياسة الانتهازية متواصلة، حتى يردعها رادع.
هناك دول وشعوب، بالمنطقة العربية، ما زالت تعاني الأمرين من عدم الاستقرار، والاضطراب، والاحتلال، والتشرد. إن مآسي كلٍّ من: فلسطين، سوريا، العراق، الصومال، اليمن، السودان، ليبيا، وغيرها، لا تخلو من «أصابع» للصهيونية وللغرب المتنفذ، الذي، وإن لم ينشئ بعضها، فإنه يسهم، وبفعالية، في تفاقم هذه المآسي. وتعتبر مأساة الشعب العربي الفلسطيني الحالية، التي أكملت ثلاثة أرباع القرن، أسوأ مأساة إنسانية يتعرض لها أي شعب في العصر الحالي. إنها كارثة... لحقت بهذا الشعب المسكين، دون ذنب اقترفه، سوى أنه يريد أن يعيش في بلده وأرضه، حراً كريماً، كما بقية شعوب العالم. حيث جيء بعصابات من شتى بقاع العالم، لتستولي على أرضه، وتقتلع غالبية أبنائه من بيوتهم وممتلكاتهم، لينهبها هؤلاء الغزاة، بحجج هي أوهى من خيوط العنكبوت.
ولم يكتف الصهاينة باغتصاب الأرض، ونهب الممتلكات، بل أخذوا يعملون على قتل الفلسطينيين، والتنكيل بهم، فشنوا، منذ السابع من أكتوبر 2023م، وقبله، حروباً شعواء، وحرب إبادة جماعية إجرامية، ضد المدنيين الفلسطينيين العزل، فقتلوا في الأخيرة حوالي 40 ألفاً، معظمهم من الأطفال والنساء، وجرحوا أكثر من مائة ألف فلسطيني. إنها كارثة إنسانية كبرى... أحاقت بهذا القطر العربي، وبالأمة العربية بأسرها. فكم يعاني الفلسطينيون من جرائم الاحتلال الصهيوني، وتنكيله بأبناء هذا الشعب. وتعاني المنطقة من تطلع الكيان الصهيوني للهيمنة، واحتلال المزيد من الأراضي العربية.
****
ومرة أخرى نذكر بأن التوجه العقائدي السياسي الذي يسود في الغرب، أكثر من غيره، هو التوجه الليبرالي. ولكن كثيراً ممن يحكمونهم الآن ينحرفون، لمصالح خاصة بهم، عن الخط الليبرالي، نحو اليمين، واليمين المتطرف، أحياناً... رامين بعرض الحائط القيم الليبرالية المعروفة.. فما تفسير ذلك؟! هناك ثلاثة احتمالات: إما أن الناخبين قد أصبحوا يميلون نحو اليمين، أو أن من تم انتخابهم لم يعودوا يمثلون الناخبين، أو أن النظام الديمقراطي أمسى عاجزاً عن تحقيق معادلة: حكم الشعب، بالشعب، وللشعب.
يبدو أن المسببين الأول والثاني هما وراء هذه الردة السيئة؛ فالنظام الديمقراطي أُسيء استخدامه هنا. وهذه الإساءة لا تعني إطلاقاً وجود عوار كبير فيه. فما هو بديله العملي؟! هناك نسبة لا بأس بها من الناخبين قد بدأت تميل نحو اليمين، وهناك حكام منتخبون يستغلون أي ثغرة لـ«الاستبداد» بالرأي، واتخاذ مواقف يمينية سياسية، تتعارض مع رغبة غالبية الناخبين، ولكنها تحقق لهم مصالح خاصة جداً... منها إرضاء اللوبي الصهيوني.
وقد كشفت حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين أن الحكومة الأمريكية، وغيرها من حكومات الغرب المتنفذ، قد اختطفت، (من الأمريكيين)، واستحوذ عليها الصهاينة، مسخرينها لخدمة إسرائيل، وتمويل عملياتها الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني، وضد المنطقة العربية ككل. فاللوبي الصهيوني يموّل الحملات الانتخابية لبعض أشخاص السلطة الأمريكية، وعندما يتم انتخابهم يردون الجميل... فيقدمون مصالح إسرائيل على مصالح أمريكا نفسها.
إن على شرفاء أمريكا أن «يصححوا» هذا الوضع السياسي الفاشي، وأن يستعيدوا نظامهم السياسي العريق من هيمنة الصهاينة، وجر أمريكا لدعم مشاريعهم الإجرامية. لقد وصلت هذه الهيمنة ذروتها، وتجلت في تصريحات شهيرة، منها ما أدلى به مؤخراً سيناتور أمريكي شهير، ويقول «نحن»، إذ قال حرفياً: «يجب محو غزة من الوجود بقنبلة ذرية (عقاباً على مقاومة حماس للاحتلال). نحن يجب ألا نخسر هذه الحرب». ويجب ألا ينسى العالم التهديد الذي أصدره عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي ضد محكمة العدل الدولية لإدانتها إسرائيل على ارتكابها حرب إبادة جماعية في غزة...؟! لم يصغ معظم الساسة الأمريكيين لكل التحذيرات من خطورة الصهيونية اليهودية عليهم، التي أشار إليها ساسة أمريكيون شرفاء، في مقدمتهم الرئيس الأمريكي بنيامين فرانكلين، في خطابه الدستوري الذي ألقاه سنة 1789م، وأكد فيه أن أخطر ما يواجه أمريكا هم الصهاينة. وستكون لنا وقفة مع هذه التحذيرات لاحقاً.