موجة من الأسئلة الخفيفة والثقيلة سددتها «عكاظ» إلى صفية مصطفى أمين؛ ابنة الصحافي المصري الشهير، التي تحدثت عن سجن والدها وبراءته ورد الاعتبار. روت حكايات ظلت خبيئة في الأدراج والصدور وخصت بها «عكاظ».
تقول إنها خرجت إلى الدنيا لتجد أمامها صدى وصيت اسم والدها؛ الذي وزع وجدانه بين مكتبه في الصحيفة وبيته كرب أسرة حريص على مستقبل بناته. تحدَّثت عن عبد الناصر، والسادات، وعن طقوس الصيام، وزيارة هيكل لهم في منزل الأسرة.
• متى أدركتِ أنك ابنة الصحفي الكبير مصطفى أمين؟
•• وعيت على الدنيا، ولقيت الوضع القائم أمامي، وأبي هو مصطفى أمين، الصحفي اللامع، وعرفت من ديمومة التفاف النخب حوله أن والدي إنسان عظيم، وعشقه للصحافة أخذه من البيت، ولأن معظم وقته في المكتب، كنا إذا حبينا نقعد معاه نروح له (أخبار اليوم) وهدايا الأعياد نروح نأخذها من مكتبه، فبيته الأول كان أخبار اليوم. لم يكن مصطفى أمين أباً عادياً بل كان جالساً على طول وسطنا، والجلوس معناه يحتاج أن نبذل مجهوداً، وكنا نحرص على القبول بالحال كما هو طالما هو مبسوط.
• ماذا عن السيدة والدتك حرم مصطفى أمين؟
•• كانت ست بيت، متعلمة، وكانت من عائلة قضائية، خالي وزير عدل، وجدي قانوني، ولها دور كبير في حياتنا بحكم عنايتها ببيتها وزوجها وبناتها، وأتاحت مساحة أمان للكل، بتحملها عبء ومسؤولية بوعي ومحبة.
• ما أبرز صفات مصطفى أمين؟
•• صموت، ولم نكن نتلقى منه نصائح، لكنه يرصد ويتابع، وممكن من نظرة واحدة نفهم أن اللي قلناه أو تصرفناه مش مناسب، فنتوقف.
صفية زغلول وأنا
• من اختار لك اسم (صفيّة)؟
•• سماني أبي على (صفيّة زغلول) ولدا وتربيا، هو وعمي علي أمين في (بيت الأمّة) واللي ربتهم السيدة صفية، لأن والدتهما (رتيبة) كانت يتيمة، وخالها سعد باشا تبناها وتمسك بأولادها، وارتبط بهما، وكانا يقولان (ستي وجدي) عن سعد زغلول وصفية، ولما تزوج أبي وأنجبنا، سمى أختي رتيبة على أمه، وأنا صفيّة على اسم جدتنا، وكان يتمنى أكون زيّها لكن تختلف الظروف.
• ماذا تستشعرين من كونكِ ابنة مصطفى أمين؟
•• أحاول باستمرار منذ الطفولة أن أكون أهلاً لحمل اسمه، وكنت أحدث نفسي بأنه لو لم يكن والدي مصطفى أمين حيبقى لي تصرف ثاني في أي موقف، فتربينا نتعامل مع كل أحد بأدب واحترام، كون والدنا يتعامل مع الجميع بأدب واحترام.
• ماذا عن شهر رمضان؟
•• أذكر أننا بدأنا الصيام وعندنا 11 سنة، لكن مش عارفين بنصوم ليه، لازم نصوم، ونحترم الصائمين، فدخول رمضان مثل العيد.
• ممَ تتكون مائدة إفطار رمضان؟
•• في بيت والدي، الجلسة على المائدة تنقلنا من جو الأكل لمناقشة فكرة مقال، ومن الحوار نفهم أنه غداً سيكتب الموضوع الذي استنبطناه من كلامه معنا، فهو يمرر لنا اللي في دماغه ويسمع ردود أفعالنا، وكان وقت الأكل هو ساعة الاجتماع الذي ينتظره.
أنيس منصور على مائدتنا
• من كان يحضر معكم على مائدتكم؟
•• طلابه وزملاؤه: أحمد رجب، وأنيس منصور، وغيرهما كثير.
• ما هي وجبة مصطفى أمين المفضلة؟
•• يحب الفول المصري، والبيض المقلي، والفراخ، وتورتة الشوكولاتة.
• كم يفصل بين بيتكم وبيت عمك علي أمين؟
•• شارع واحد، وعمنا علي أمين الأب الثاني، وهما شخص واحد مقسوم اثنين، وعمي علي أنجب بنتين وعندما انسجن مصطفى أمين، زمن عبدالناصر، كان علي أمين الأب البديل.
• ماذا عن دور محمد حسنين هيكل في سجن والدك؟
•• أنا باعتقد إنه ليه دور، بس ما أعرف حجمه ومساحته، ولما خرج والدي من السجن، وجاء هيكل يسلم عليه، استقبله ودخل بيتنا، ولما استأذن رافقه إلى الباب، وودعه بكامل أدب الزيارة، ورجع لنا وقال «هيكل انتهى من حياتنا إلى الأبد» لا تكلموه، ولا تسمعوا له، ولا تلتقوا بيه، فأسقطناه منذ ذلك التاريخ وإلى يوم الدِّين.
• ما دافع انتقام هيكل من والدك؟
•• مش عارفة، ربما تاريخ وعائلة والدي، كون خال أبي زعيم الأمة سعد زغلول وتربيته في بيت الأمة، وربما أشياء أخرى لا نعرفها، وهو تلميذ لوالدي وبدأ يكتب عنده في أخبار اليوم.
رفضت اعتذاره
• هل اعتذر لكم عقب رحيل والدك؟
•• لم يعتذر إلا أنه حاول مرة يتواصل معنا، لكني لا أثق به، لأنه كاذب. ومصطفى أمين أستاذه، رفضت اعتذاره لأنه أساء لأبي وأبي رحل.
• كيف تصفين علاقة والدك بالسيدة أم كلثوم؟
•• هي ست عظيمة، ما فيش زيها، بعيداً عن كونها كوكب الشرق، وكانت حاضرة عندما انسجن والدنا، فاشتكينا لها تعب (بابا) فاتصلت بالوالدة وأخذتنا للسيدة جيهان السيدة، وكانت تتحدث عنه بمودة وصداقة، ولما بابا وعمي أسسا (أخبار اليوم) 1944، ساهمت بـ500 جنيه، ورفضت تسترد المبلغ.
• لماذا لم تعزه في وفاة أم كلثوم؟
* سألني أبي نفس السؤال، فالتزمت الصمت، فقال العلاقة والصداقة بيني وبين أم كلثوم مش ممكن تفهميها إلا لما تكبري.
ما نعرفش أي شيء!
• هل تزوج والدك بأم كلثوم؟
•• هذا الكلام ظهر أخيراً، وما نعرفش عنه أي شيء.
• ما هي طقوسك الرمضانية اليوم؟
•• الفانوس ولوازم السفرة، واجتماع العائلة ولو ليوم واحد.
• ماذا عن عملك؟
•• ما زلت في دار الأخبار، ومؤسسة ليلة القدر قائمة، ولنا فرعان في أخبار اليوم وفي الهرم، ولنا نشاط مستمر.
• ما مسماك الوظيفي؟
•• مدير تحرير في أخبار اليوم، وبكتب مقالة أسبوعية، ومقالة في المصري.
• ماذا عن علاقتكم بالمملكة؟
•• كان الأمير طلال بن عبدالعزيز وعائلته على علاقة وطيدة بأبي وعمي وبأسرتنا، وما زالت العلاقة بأولاده قائمة.
قصة عيد الأم
• ماذا أخذت عن أمك وأبيك؟
•• أن إبداع المرأة يبدأ من اهتمامها ببيتها وزوجها وأولادها، فالنجاح مع الأسرة يمنح النجاح في كل الأعمال وبتفوّق، فنحن تربينا على (البيت أوّلاً)، وقبل ما أخرج للعمل اطمئن على (علياء) قبل زواجها وأتفقد البيت جيداً؛ ثم انطلق لمسؤولياتي، والآن لي حفيدتان، عند عودتهما من الكويت انشغل بهما كثيراً.
• ما الذي يبقى من حديث الذكريات؟
•• ورثنا الإصغاء لبعضنا على مائدة رمضان، ونستعيد الكثير من الحكايات لتمرير الرسائل، والاعتزاز بتجربة مصطفى وعلي أمين، وإنسانيتهما.
• كم عدد الأعياد التي تبناها والدك وعمك؟
•• قصة عيد الأم، بدأت من سيدة اشتكت لهما في (أخبار اليوم) عن تضحياتها الكبيرة، والعناية بابنها بعد وفاة الزوج، ورفضها الزواج رغم أنها كانت شابة، وعمرت له بيتاً، فأخذ زوجته وغادر من عندها بدون أي كلمة ولو شكراً، فلجأت لوالدي وعمي لينشرا قصتها، فلما خرجت من عندهما، نظرا لبعضهما؛ وتساءلا، واحنا قلنا لأمنا شكراً؟ فاختاروا يوماً في السنة 21 مارس، بمشاركة القراء، لكي يقول كل ابن وبنت لأمهم شكراً.
بدأت من أول السلم
• من هو جدك أمين؟
•• كان محامياً وعلى طول متنقل بين المحافظات.
• هل وافقت جدتك على الصحافة مهنة لابنيها؟
•• كانت معارضة بشدة، ورفضت عملهما في الصحف، ولما عرفت أن دار الأخبار تأسست باعت (سيغتها وعربيتها) وأدت لهما فلوسهما.
• ما سبب تعلقهما بالصحافة؟
•• لأنهما نشآ في بيت الزعيم سعد زغلول، فمنذ الطفولة يدخلان مكتبته، ويفتشان الصحف، ولما يعود ويراهما منهمكين في القراءة، ومطالعة الصور، لا يقطع عليهما، ولا يُحدث أي صوت يشعرهما بقدومه، وبدآ بالصحف الحائطية في المدرسة وعمرهما سبعة أعوام.
• كيف توجهت صفية مصطفى أمين للصحافة، وهل كان توجيهاً من أبيك؟
•• لم يوجهني، لكن حبي له علقني بمهنته، وأنا في الجامعة أبلغته برغبتي في العمل معه صحفية، فقال لي: تبدأين من أوّل السِّلم، من عاملة أسانسير ثم تتدرجين، والصحفي الناجح يبدأ من تحت خالص، لغاية ما توصلي أو ما توصليش، فاعتذرت، فقال روحي لأمينة السعيد في دار الهلال، فأخذتني ونزلت للمطبخ الصحفي، وكنت باحضر كل التفاصيل، تدربت خلال إجازة الصيف، للتعرف على المهنة.
أشعر باليُتم
• متى اشتغلت بالصحافة؟
•• عقب رحيل مصطفى أمين، وعرضت على أحمد رجب، ثم طلبني إبراهيم سعدة للبيت، ثم اشتغلت في أخبار اليوم.
• من الرئيس الذي ردّ اعتبار والدك؟
•• الرئيس أنور السادات ردّ الاعتبار، وأعاد التحقيق معه لتبرئته، والرئيس مبارك هادئ، ولم يكن يعتب ولم يأخذ أي موقف سلبي من والدي.
• رتيبة شقيقتك كيف علاقتك بها؟
•• توفيت رتيبة في حياة أبي، ووالدتي توفيت بعد والدي في أواخر السبعينيات من عمرها.
• ما الذي تشعرين به في رمضان من دون مصطفى أمين؟
•• ما زلت أشعر باليُتم؛ لأن أبي كان ظهراً وسنداً، في حياته أشعر أنه لن يحصل لي أي متاعب.