ما زال حوالى بليوني نسمة من العرب والمسلمين في العالم، يحلمون بتحرير واستقلال فلسطين العربية، في أقرب فرصة ممكنة، بعد رزوحها تحت وطأة أسوأ، وأفظع احتلال استيطاني في التاريخ الحديث، ولحوالى ثمانية عقود (1948- الآن) نكبت به كل الأمة، وذاق خلالها الشعب الفلسطيني شتى صنوف القتل والتدمير، والتنكيل، والتعذيب، والاعتقال، والإبادة الجماعية المتواصلة، والنهب والسلب، على يد عصابات إجرامية، أتى بها من مختلف أرجاء المعمورة، تعمل لنشر الشرور في العالم، لخسة مشهودة فيها، لحسابها، وحساب أسيادها، وداعميها المستعمرين، وضد كل شعوب وأمم العالم، وخاصة العالمين العربي والإسلامي، الذي يكنّ له هذا التحالف الصهيوني - الاستعماري أسوأ أنواع الحقد، وأخبث نوايا التربص.
وبالطبع، فإن أقوى معارض لتحرر فلسطين، وتواجدها كدولة مستقلة، وعضو بمنظمة الأمم المتحدة، هو هذا التحالف (أمريكا- إسرائيل) لأنه استعمار توسعي طامع، لا يهدف للاستئثار بفلسطين، وحسب، بل يسعى سعياً محموماً لتكوين (امبراطورية شر)، (من النيل للفرات) على أنقاض الحقوق العربية المشروعة، بحجج أوهى من خيوط العنكبوت. ومما يدعو للتفاؤل بفشل هذا المشروع الإجرامي المعلن، هو أن الغالبية العظمى من شعوب وحكومات العالم تدعم الآن الحق الفلسطيني والعربي، وترفض هذا العدوان المبيت.
****
ومؤخراً، في شهر أبريل 2024م، جدد مندوب فلسطين بالأمم المتحدة، طلب بلاده استئناف إجراءات قبول فلسطين عضواً كاملاً في هذه المنظمة، وليس مراقباً وحسب. إذ تقدّم لمجلس الأمن بهذا الطلب، فحوّل المجلس ذلك الطلب الى اللجنة الخاصة بفحص طلبات العضوية، تمهيداً لإبداء رأيها لمجلس الأمن الدولي، الذي ينظر في الطلب، ويصدر موقفه منه. ولكي يمر هذا الطلب، كان يحتاج إلى تصويت ما لا يقل عن تسعة من أصوات أعضاء مجلس الأمن، على أن يكون بينها تصويت الدول الخمس التي لها حق الفيتو بهذا المجلس، ثم موافقة ثلثي الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهنا، اصطدم الحق بالفيتو الأمريكي المتوقع، وضربت العدالة في مقتل جديد؛ حيث وقف الأمر في مجلس الأمن الدولي، بسبب الفيتو الأمريكي.
****
إن (حلّ) القضية الفلسطينية، يتطلب، أول ما يتطلب، إقامة دولة فلسطينية على كامل فلسطين التاريخية، أو إقامة إسرائيل على كامل فلسطين، أو الأخذ بحل الدولتين؛ أي إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967م، جنباً الى جنب مع الكيان الصهيوني، أو إقامة دولة واحدة مشتركة. ومعروف، أن غالبية الصهاينة ترفض، إقامة دولة فلسطينية مستقلة. فهؤلاء يرفضون فكرة السلام، شبه العادل، ويصرون على إقامة دولة يهودية عنصرية خالصة، وخالية من الفلسطينيين؛ أهل البلاد الأصليين.. ذلك هو موقف غالبية الصهاينة الآن.
ورغم مرور أكثر من ثلاثة أرباع القرن على العدوان الصهيوني على فلسطين، والأمة العربية، وما نجم عن هذا العدوان من مآسٍ، إلا أن الكيان الصهيوني لم يقدم بادرة سلام واحدة. ثبت أن إسرائيل لا تريد السلام مع الفلسطينيين والعرب، بل تريد الاستسلام لمشروعها الاستيطاني- الاستعماري. فمنذ قيام إسرائيل، طُرحت العشرات من مبادرات (السلام) لحل هذه المعضلة، وإنهاء مأساة الشعب الفلسطيني، التي نجمت عن قيام إسرائيل، واندلاع الصراع الفلسطيني – الصهيوني، والصراع العربي – الإسرائيلي. وقد عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على الالتفاف على كل هذه المبادرات، والسعي لتمييعها.. والمضي للاستيلاء على كامل فلسطين عبر الاستيطان وغيره، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه في وطنه.
ولكن، هناك مبادرات دولية لم تستطع إسرائيل وأدها كغيرها، رغم أنها أعلنت رفضها لها مراراً وتكراراً، ورغم قبول الفلسطينيين والعرب بها. ولكن قوى نزيهة في المجتمع الدولي تحرص على دعمها، وتحاول فرضها على إسرائيل؛ التي تستقوي بداعميها، وفى مقدمتهم أمريكا، لرفضها. وأهم هذه المبادرات (المتشابهة) مبادرتا (السلام العربية)، والمبادرة الدولية (الأممية) التي تسمى بـ(حل الدولتين).
****
بالنسبة لمبادرة السلام العربية، فقد أقرها مؤتمر القمة العربية، المنعقد في بيروت سنة 2002م، وأصلها مبادرة سعودية، وتهدف إلى: إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ومعترف بها دولياً على حدود سنة 1967م. وتتضمن: التوصل لحل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، ورفض كل أشكال التوطين الفلسطيني في البلدان العربية المضيفة، والانسحاب من هضبة الجولان، وكل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967م وما بعده. وذلك مقابل اعتراف الدول العربية بإسرائيل، وتطبيع العلاقات معها، وإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي.
أما «حل الدولتين»، فهو مشابه لمضمون مبادرة السلام العربية؛ ويهدف لإقامة دولتين، على أرض فلسطين التاريخية، هما: دولة فلسطين ودولة إسرائيل. وهو مستمد من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 لعام 1967م. واعتمد كمرجعية للمفاوضات الشهيرة التي جرت في أوسلو عام 1993م، بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، التي تمخض عنها الاعتراف المتبادل بين الطرفين. إنه يعنى: إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود 1967م؛ أي على ما يعادل 23% من أرض فلسطين. هناك شبه إجماع دولي بأن على إسرائيل إنهاء احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة، وقبول قيام دولة فلسطين على هذه الأراضي التي تعتبر -دولياً- محتلة من قبل إسرائيل. ولكن، إسرائيل ترفض، بشدة، مبادرة السلام العربية، وكذلك (حل الدولتين) الأممية. وتعلن مراراً وتكراراً، وبوقاحة منقطعة النظير، رفضها للمبادرتين؛ لان كل منهما تستوجب قيام دولة فلسطينية مستقلة.
****
وتتمسك القيادة الفلسطينية بـ(حل الدولتين)، ولكنها أعلنت صراحة، أنها لا تمانع في قبول (حل الدولة الواحدة)؛ شريطة أن تكون هناك مساواة بين كل مواطنيها؛ يهوداً أو فلسطينيين. ولكن إسرائيل ترفض أيضاً (حل الدولة الواحدة) التي يعيش فيها اليهود والعرب كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.. لأنها تريد إقامة دولة يهودية عنصرية خالصة، وعلى حساب شعب بأكمله. وطالبت إسرائيل بتوطين الفلسطينيين في الأردن. كما قدمت حلاً.. يتمثل في: احتفاظ إسرائيل بكامل فلسطين، أرضاً وسكاناً، مع إقامة (كانتونات) فلسطينية متناثرة -على غرار نظام (جنوب أفريقيا العنصرية) الهالكة- في الضفة الغربية وغزة، يقيم الفلسطينيون في كل منها.. دون رابط قومي ووطني واحد، وبحيث يسمح لكل كانتون بممارسة الحكم المحلى على أرضه..!
وتظل مسؤولية إنصاف الشعب الفلسطيني على الأطراف النزيهة في المجتمع الدولي، من هذا الظلم الصهيوني القاهر، وتمكين الشعب الفلسطيني، بعد هذه العقود من التشرد والمعاناة، من الحصول على الحد الأدنى من حقوقه المشروعة في أرضه، الذي يتمثل في أحد وضعين: إما (حل الدولتين)، وقيام دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967م، وإما إقامة دولة ديمقراطية واحدة، يعيش فيها (الشعبان) الإسرائيلي والفلسطيني كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.