•• كنت قد عدت للتو من المستشفى الذي ترقد فيه أمي، عافاها الله.. علاقتي مع أمي «قصة حب» وقعت فيها منذ وعيت.. سمح تقاربي معها أن أكتشف كل حالاتها؛ فرحاً وترحاً، ارتياحاً ومعاناة.. دخولها المشفى زاد من عواطفي المتدفقة تجاهها.. وترك في داخلي خيبة وعبئاً جسدياً ونفسياً، ومسالك خوف وطعم أحزان.. جعلني أسير بخطوات مترنحة كشفت لي قدراتي العاجزة عن التحمل.
•• بمنتهى الدقة؛ أقول لكل من أحس بأصابع والديه الناعمة حين لامست جلده: «كلما التصقت بهما ازدادت أيامك غِنى».. فهناك ملايين التفاصيل الصغيرة لا تهدأ بينك وبينهما برائحة خاصة تملأ روحك.. وأي إنسان يجعل أبويه يمتدان كالجذور في عرق الماء داخل أعماقه؛ سيظلان ظله الذي لا يفارقه، وسيظل صوتهما يأتي إليه من خزائن الذاكرة كلما ابتعدا عنه، فتحتله الفرحة باتساع روحه.
•• هذه رسالة أكتبها اليوم لكل ابن وابنة فيها هداية تفتق الأشجان وتملأ القلب والوجدان.. من لم يُقبِّل يدي والديه ويدعو لهما في كل صلاة؛ سيصل إلى الصفحة الأخيرة من حياة يقضيها في معاناة وعُسر.. سيرى الألم على وجهه فتكسوه شيخوخة مبكرة.. سيبقى في سجن يشبه القبر يُخرج من أعماقه علامة الجمال.. فعلاقة الحب بين الأب والابن لا ينبغي أن تموت.
•• من لم يتذكر أبويه في كل حين بالبر والإحسان إليهما، ثم الدعاء لهما في الهزيع الأخير من الليل؛ سوف يجري الفزع في شرايينه، وتتضارب المشاعر في داخله.. سيغرق في تأملاته ويصل إلى حالة من الهلع الموجع.. سيعيش المسافة بين مقام الارتباك وعدم الإدراك.. سيشعر كأن السماء تسقط فوقه والأرض تزلزل تحت قدميه.. عقبها سيضطر للذهاب إلى طبيب نفسي ليعيد تقويمه.