قبل أن تندلع الحرب العالمية الثانية حققت ألمانيا تفوقاً ملموساً في مجال الصناعات العسكرية والتكنولوجية، وعندما اندلعت الحرب تفاجأ العالم، وعلى الأخص الدول الأوروبية، بالعديد من الأسلحة المتفوقة التي كانت تملكها ألمانيا ولم تكن معروفة للعالم وقتئذٍ وخاصة في المجال الجوي العسكري، وهو ما أثار شهية ألمانيا لاحتلال عدة دول أوروبية بما فيها فرنسا والتي بدت عاجزة أمام هذا التفوق الألماني، غير أن حماقة الزعيم النازي هتلر دفعته للصدام المباشر مع المملكة المتحدة بعد توغل الطائرات العسكرية الألمانية في العمق البريطاني، مما أحدث بالأخيرة خسائر جسيمة، وعقب عدة نجاحات متتالية تمكّن الغرور من هتلر فأمر قواته بغزو الاتحاد السوفيتي وإعلان الحرب على نظام ستالين.
كانت الولايات المتحدة عقب اندلاع الصراع محايدة تتابع الأحداث عن كثب فحسب، فلم يكن الرئيس روزفلت يود الانخراط في حرب لم تكن -وقتها- الولايات المتحدة طرفاً فيها، وقد تنامى إلى علم زعماء العالم وقتذاك أن ألمانيا بصدد تطوير قنبلة ذرية قادرة على تدمير مدن بأكملها، ولم يكن هذا السلاح الذري معروفاً للعالم قبل العام 1945، وهو ما دفع العديد من علماء الولايات المتحدة لحث الرئيس الأمريكي على تطوير السلاح الذري لمواجهة العالم الملتهب في أوروبا وأفريقيا وبعض دول شرق آسيا.
عقب الاجتياح الألماني للاتحاد السوفيتي بدأ السوفييت في صد هجمات الألمان ومحاولة طردهم من الأراضي الروسية، وتحالف السوفييت وقتذاك مع كل من بريطانيا وفرنسا بهدف شن حرب شاملة ضد الأحمق هتلر، وقد وجدت الولايات المتحدة نفسها مضطرة للانخراط في تلك الحرب بعد أن قام الجيش الياباني بتدمير القاعدة العسكرية الأمريكية في جزر الهاواي، وأعلن الرئيس روزفلت تشكيل تحالف مع ستالين وتشرشل لهزيمة ألمانيا، وعلى الرغم من أن الحرب الأوروبية كانت بعيدة عن أراضي الولايات المتحدة، إلا أن الرئيس الأمريكي أصر على الدخول في حرب أوروبا، ويبدو أن الولايات المتحدة كان لها هدف آخر من الانخراط في الحرب بخلاف هزيمة ألمانيا وزعيمها النازي هتلر.
من الواضح أن الولايات المتحدة كانت قلقة بشأن مستقبل العلماء الألمان -في حال هزيمتهم- وهم أساس الصناعة العسكرية الألمانية وسبب تفوقها، كانت الولايات المتحدة تدرك أن تكاتف الحلفاء سيؤدي بالضرورة لهزيمة ألمانيا فلم تكن معنية كثيراً بهزيمتها، غير أن ما كان يقلقها كان معرفتها بشأن رغبة الاتحاد السوفيتي في الحصول على عدد كبير من العلماء الألمان ونقلهم إلى أراضيه، وهو ما يعني أن هؤلاء العلماء سيستفيد منهم الاتحاد السوفيتي في تطوير صناعاته العسكرية، مما يعني ضمناً تفوقه على الولايات المتحدة.
لذلك قامت الولايات المتحدة (وخاصة عندما بدأت بوادر الهزيمة في الجيش الألماني تظهر في الأفق) بعملية مخابراتية أطلقت عليها عملية «مشبك الورق»، وتهدف هذه العملية إلى التغلغل داخل الدولة الألمانية والاتصال مع العلماء الألمان البارزين لاستقطابهم للعمل في الولايات المتحدة، وقد حرصت على جمع أكبر عدد منهم ونقلهم إلى الولايات المتحدة بعد أن منحتهم العديد من الحوافز، والتي من أهمها الجنسية الأمريكية بطبيعة الحال، وقد قام هؤلاء العلماء بالاشتراك مع نظرائهم الأمريكان بتطوير التقنيات العسكرية وغير العسكرية الأمريكية بما يضمن لها تفوقها على الكثير من دول العالم.
من المؤكد أن أي دولة حريصة على مصالح شعبها تسعى لاستقطاب العلماء البارزين والمتميزين ومنحهم الجنسية ودمجهم في منظومة التطوير في كافة المجالات، فهي بالإضافة إلى اعتمادها على سواعد أبنائها تدقق في المجالات المختلفة التي تحتاج إلى كوادر وخبرات بشرية عالية المستوى لنقل التقنية والمعرفة داخل الدولة، سواء في المنظمات الصناعية أو الصحية أو حتى التعليمية كالجامعات والمدارس، لأن وجود مثل هذه النخبة سيسهم بما لا يدع مجالاً للشك في تطوير وتنمية الدولة بما يحقق رفاهية المواطن الذي سيكون المستفيد الأول من وجود هذه الكوكبة من العلماء.
لقد اعتمدت رؤية 2030 على استقطاب العلماء والمتميزين في شتى المجالات من خلال منحهم الجنسية السعودية، وهي المجالات الواعدة التي ستسهم في تشكيل المنظومة العلمية والصناعية والاقتصادية وحتى الفنية التي تستهدف المملكة تطويرها، فالدول المنغلقة على نفسها لا يمكنها تحقيق أي نوع من أنواع التقدم سواء كان صناعياً أو علمياً أو غير ذلك، وهو ما ينعكس سلباً حتى على المواطن نفسه والذي سيجد نفسه منغلقاً أيضاً، ولقد سعت المملكة لنقل المعرفة والتقنية العالمية خلال العقود الماضية من خلال برامج الابتعاث الخارجي للمواطنين، غير أن استقطاب العلماء كأحد أهم أهداف رؤية 2030 اتخذ منحى مختلفاً، تم خلاله التركيز على دمج هذه النخبة داخل منظومة التنمية المعنية بتطوير حياة المواطنين، حتى تتم الاستفادة منهم في تحقيق أقصى منفعة علمية للوطن وللمواطن.