شبكة الأنفاق الضخمة التي بنتها حماس تحت غزة استهلكت من الجهد والمال أضعاف ما لو استثمرت فوق الأرض، وأي خبير في الإنشاءات يستطيع أن يجزم بذلك، وتلك الأموال لو وجّهت في الصناعة المدنية والتعليم لحوّلت غزة لسنغافورة أخرى، خصوصاً أن حجم المساعدات الموجهة لغزة والخدمات التي ترعاها دول ومنظمات دولية هائلة، كانت ستبني لها مكانة في حوض البحر الأبيض المتوسط، لكن ذلك هو آخر شيء يمكن أن تفكر فيه حماس وأي تنظيم إسلاموي مسلح.
لقد اختارت حماس أن تبني مدينة عسكرية تحت الأرض، بدلاً من بناء مدينة حديثة فوق الأرض، إن كل ما في فوق الأرض هي أحياء سعودية وقطرية وإماراتية، والمستشفيات والمدارس والمعاهد والجامعات والطرق بنتها الأونروا ودول غربية وإسلامية وعربية، ألم يقل أحد قيادات حماس ليس لنا علاقة بشعب غزة وهو مسؤولية الأمم المتحدة؟
قضية فلسطين قضية عادلة، لكنها بالنسبة لحماس مجرد وسيلة لجلب المال وتسويق أفكار التنظيم الأم ليتحول الذراع العسكرية «القسام» من مليشيا محلية في غزة إلى جيش ضخم قادر على احتلال الدول العربية واحدة تلو الأخرى، لبناء إمبراطورية «حسن البنا» الموعودة، ما أقوله ليس اعتداء على أدبيات حماس فقد صرح بها المرشد العام لتنظيم الإخوان فرع فلسطين والقائد الفعلي لحماس (محمود الزهار) عندما صرح بأن فلسطين كلها ليست قضيتهم بل هي كمسواك في منظومة أهدافهم الأممية.
فكرة التنمية أم فكرة الاستيلاء على السلطة هذه هي قضايا التفكير الإخواني على الدوام، فأيهما يسبق الآخر، المؤكد أنهم حسموا أولوياتهم منذ عقود طويلة، فالسلطة والانقلاب على الحكومات المحلية أهم عندهم من التنمية والتعليم والصحة، وفي الوقت نفسه زيادة مواردهم المالية وتحولهم لأثرياء مع تمكين كوادرهم من رقاب الناس.
الإخوان يعتقدون أن التنمية والتحوّل إلى دولة الرفاه هي جائزة كبرى لا يجب أن ينالها غيرهم، ولذلك لا يتأثرون عند مقتل أو تشريد المئات أو الآلاف بل حتى الملايين من الفلسطينيين، ويرونهم مجرد فواتير صغيرة لمشروع كبير، وما يحصل في غزة حالياً دليل واضح.
من الطبيعي بل من السلوك اليومي للإخوان أن يعطلوا المشاريع التنموية، ويشوهوا الكوادر ورجالات الدول، ولا أكثر وضوحاً من دورهم في تعطيل كثير من تفاصيل الحياة في العالم العربي.
في مصر فعلوها باستمرار أثناء فترة المهادنة مع الرئيس محمد حسني مبارك، وها هم يفعلونها في بعض دول الخليج وبوضوح اكثر.
طريق الوصول للحكم عند الإخوان يمر بخطط عديدة، منها المطالبة بتحكيم الشريعة من أجل المزايدة وتأليب الشعوب، وهي منظومة تتضاد مع الأفكار الليبرالية الغربية ولها خصوصيتها الدينية التي اتفق عليها فقهاء الإسلام منذ العهد الراشد، فإذا طبقت تلك الدول الشريعة طالبها الإخوان بتطبيق القيم العلمانية والليبرالية السياسية لتكون طريقهم للحكم، وإذا طبقت القيم الغربية اتهموها بالتغريب، تناقض يخدم مصالحهم الفئوية فقط.
لقد حوّلت حماس غزة من مشروع مدينة تضاهي هونج كونج أو سنغافورة إلى مقبرة كبرى وضيّعت فرصها كاملة، وحان الوقت للاعتراف بخطيئتهم في حق مئات آلاف من القتلى والمشردين الفلسطينيين منذ العام 2007 وحتى اليوم.