لا جديد في الحرب على قطاع غزة، سوى ارتفاع أرقام الضحايا في القصف اليومي لجيش الاحتلال للمدنيين، بينما تذهب إسرائيل إلى إجراءات أمنية مخيفة؛ منها إغراق الأنفاق التي تستخدمها حماس بمياه البحر، وعلى ما يبدو «نفس» الانتقام هو الأعلى في الذهنية الإسرائيلية، إذ لا يبدو أن قادة تل أبيب قادرون على هضم الصدمة التي سببتها حماس في 7 أكتوبر. الشيء الوحيد الذي تفعله الحرب دائماً هو إبعاد الحلول السياسية، يفعل هذا القادة الذين يريدون الهروب من استحقاقات سياسية داخلية كما هو الوضع في الحالة الإسرائيلية؛ التي يريدها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن تستمر إلى ما لا نهاية، خصوصاً بعد أن تمكن من إعلان حكومة حرب في العاشر من أكتوبر الماضي.
لكن مهما حاول السياسيون الهروب إلى الأمام، إلا أن القاعدة الإستراتيجية الشهيرة للمؤرخ الألماني كارل كلاوزفيتز «الحرب امتداد للسياسة» لا بد أن تنتصر في كل الأحوال، فالحروب تنتهي بالطرق الدبلوماسية، وما استمرار الحرب في حالة غزة إلا زيادة في جرعة الانتقام في ظل تحقيق إسرائيل أهدافاً عسكرية كثيرة، وتحويل مقرات حماس إلى أنقاض..
إذن متى يبدأ الحل؟ وكيف!؟ في مقال للكاتبين الألمانيين ناصيف نعيم ودانيل غيرلاخ في مجلة (زينيث) الألمانية نشر أخيراً، وحاز على اهتمام صنَّاع السياسة في أوروبا، يذكر أن الغضب هو من يحكم السياسة اليوم في الشرق الأوسط، لكن لا غنى عن الدبلوماسية وإن طال الزمن.
يطرح الكاتبان سيناريوهات للحل في غزة، على مبدأ «المسؤولية العربية»، وهي أن تتولى الدول الإسلامية والعربية مسؤولية الأوضاع في القطاع على مستوى تحسين الأوضاع المعيشية، وإعادة الإعمار، وضمان عدم الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وغزة، أما مسألة مستقبل حماس بشكلها السياسي تبقى رهن الإرادة الفلسطينية.
ويقدمان رؤيتهما للحل في غزة، بوضع خارطة طريق تبدأ بالوقف الملزم لإطلاق النار من الجانبين (حماس - إسرائيل)، على أن يكون وقفاً جدياً ويؤمّن قاعدة انطلاق الدبلوماسية، دون تجاهل عملية وقف الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة التي من شأنها أن تعيق عملية بناء الثقة لأي حل فلسطيني.
مؤتمر دولي.. بعد تحقيق الهدوء
بعد وقف إطلاق النار وعودة الهدوء إلى المنطقة، يبدأ العمل على عقد مؤتمر دولي بحضور الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والسلطة الفلسطينية والدول العربية؛ وعلى رأسها المملكة العربية السعودية من أجل حفظ الأمن وضمان الاستقرار.
الجديد في هذا الطرح، هو إشراك القوى المدنية المحلية (مجلس أعيان غزة)، إلى جانب الجهود العربية والأممية في عملية إرساء الأمن والاستقرار، مع ضمان التزام إسرائيلي تام بعدم التصعيد أو إعادة الهجوم على غزة.
وخلال أربع سنوات من إدارة غزة بجهود عربية ومحلية من أهالي القطاع يتم إعادة تأهيله من ناحية البنية التحتية بضمانات إسرائيلية، وهذه الفترة من شأنها تقييم وضع غزة بحيث تقتنع الدول العربية بأن إسرائيل فعلاً ملتزمة بتزويد غزة بما تحتاجه من كهرباء وماء وغيرهما من الخدمات الأساسية لسكان القطاع.
ووفق الكاتبين، فإن مسألة الأسرى والمحتجزين ما زالت عالقة بين حركة حماس وإسرائيل، إلا أنه لا بد من دمج مسار الإفراج عن الأسرى بشكل متبادل مع هذا المسار العام للحل بشكل حصيف ودقيق يحافظ على إنجاح هذه الخطة.
ولفتت المجلة إلى أنه منذ عام 1967 حين احتلت إسرائيل فطاع غزة، لم تحظَ هذه المنطقة بالأمان، ولا الجانب الإسرائيلي، حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين قال ذات يوم «أتمنى أن أصحو ذات يوم وأرى البحر يبتلع غزة».
حملة شارون وعزل القطاع
وتحدث الكاتبان عن أنه في عام 1970 تولى أرييل شارون قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال آنذاك، قيادة حملة (1970-1971) كان من سماتها: عزل القطاع وإحكام القبضة العسكرية على المخيمات، إعادة هيكلتها التنظيمية، توسيع الطرق داخلها وشق طرق عريضة جديدة تسمح بمرور الدبابات، تفجير آلاف المنازل وتشريد نحو 16,000 لاجئ، نقل معظمهم إلى العريش (شمالي سيناء)، وبضع مئات إلى الضفة الغربية، إبعاد نحو 12,000 من أقارب الفدائيين إلى مخيمات في صحراء سيناء، ومع ذلك لم تنجح خطة شارون في إحكام السيطرة على غزة أو تحييدها من دائرة الإزعاج.
أرييل شارون المعروف بدمويته، نفسه هو من أعلن خطة الانسحاب الأحادي من قطاع غزة في عام 2005 لتسيطر حركة حماس على القطاع بشكل كامل أمنياً وسياسياً. ومن ثم فإن الانتقام لن يدوم طويلاً، ولن تجني إسرائيل أكثر مما جنت في حالة غزة اليوم، ولا بد في نهاية المطاف من صفقة كاملة ليست في غزة وإنما على مستوى فلسطين بالدرجة الأولى والتداخلات الإقليمية أيضاً بالدرجة الثانية، التي كانت ولا تزال جزءاً من الديناميكيات المحركة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.