ضجيج عالٍ، وفوضى اعترت العالم، بعد أن أوقفت سلسلة من المشكلات التقنية، الجمعة الماضي، خدمات شركات الطيران، ووضع عملاء البنوك أياديهم على قلوبهم خوفاً من تأثر المصارف وبورصات الأسواق العالمية، فيما قطعت قنوات تلفزيونية بثها إثر تعطل خدمات الحوسبة السحابية من (مايكروسوفت) التي كشفت في بيان، أن العطل العالمي للإنترنت طال 8.5 مليون جهاز يعمل بنظام (ويندوز).
وأوضحت أنه بحسب تقديراتها الحالية، أثّر العطل الناتج عن تحديث شركة (كراود سترايك) لبرنامج الحماية الشهير (فالكون)، على أقل من 1% من كل الأجهزة التي تعمل بهذا النظام، وأكدت أن عدة مقرات رئيسية لتداول النفط والغاز في لندن وسنغافورة، واجهت صعوبات في تنفيذ المعاملات بسبب تعطل الإنترنت، وشهد العالم خلال ساعات معدودة إعلان شركات مشغلة وهيئات معنية أن عطلاً معلوماتياً عالمياً ومشكلة اتصالات ربما ناتجة عن تعطل في الإنترنت، تسببت في خلل فني أدى إلى تعليق العمل في مطارات عالمية، وشركات نقل كبرى وبورصات وبنوك ووزارات ومؤسسات حكومية وخاصة.
وشملت معاناة دول كبرى؛ مثل بريطانيا والولايات المتحدة، إلغاء الرحلات في المطارات والموانئ، والمواعيد في المستشفيات، وخروج أجهزة الصرف النقدي عن الخدمة، فيما نجحت السعودية في تقليص تلك الأضرار إلى أدنى مستوى ممكن ربما اقتصرت على المطارات بحكم ترابط شبكات برامج المطارات وشركات الطيران، غير أن فضاء المملكة ظل آمناً ولم تتأثر أنظمة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، وأنظمة الحكومة السعودية التي تستضيفها لتقديم الخدمات، بالعطل التقني الذي اجتاح العالم صباح الجمعة ما قبل الماضي.
وكشفت (سدايا)، القدرة السعودية على تجاوز ذلك، مؤكدة أن أنظمة الهيئة التقنية والأنظمة الحكومية تعمل من دون انقطاع، وأشارت إلى أن الأنظمة جرى بناؤها بأيدي كوادر وطنية مؤهلة «على أعلى مستوى من البناء التقني، الذي يكفل سرعة الانتقال من نظام إلى نظام في حال حدث أي عطل تقني كما حدث الجمعة».
استمرارية العمل
المتحدث باسم (سدايا) المهندس ماجد الشهري قال: «إن الهيئة منذ اللحظة الأولى لظهور العطل التقني وقفت من خلال فرقها التقنية الوطنية على عمل أنظمته الداخلية والأنظمة الحكومية المستضافة لديها، ولم تتعرض لأي عطل».
وأوضح أن فِرق (سدايا) التقنية كوادر وطنية مؤهلة تعمل على مدار الساعة مع الجهات المعنية لتأمين الخدمات الحكومية الرقمية واستمرارية عملها من دون انقطاع. ولفت الشهري إلى أن طبيعة الفضاء الإلكتروني تحفّه كثير من المخاطر، لكنه قال إن (سدايا) تعمل على تأسيس بُنى تحتية للجهات الحكومية بأحدث التقنيات الحاسوبية المرتبطة بالبيانات والذكاء الاصطناعي التي تكفل جودتها وسلامتها من أي مخاطر محتملة، إلى جانب جهود تعزيز تعاونها مع شركائها في جميع أنحاء العالم لضمان فضاء إلكتروني مفتوح وآمن.
أمن وموثوقية
أوضحت الهيئة الوطنية للأمن السيبراني أن التأثير على الجهات الوطنية في المملكة كان محدوداً؛ وفق ما تم رصده. كما تبين أن الأعطال حول العالم نتجت عن قيام شركة CrowdStrike بإطلاق حزمة من التحديثات لأحد منتجاتها، الذي تضمن خللاً فنياً.
وأوضحت الهيئة، أنه بفضل ما يحظى به قطاع الأمن السيبراني من دعم ورعاية، فقد وُضعت التدابير الاستباقية لرصد ومتابعة التهديدات والمخاطر السيبرانية، والاستجابة لأي حوادث سيبرانية في حال وقوعها، إضافة إلى جهود الهيئة الرامية إلى توطين القدرات الوطنية وتعزيز السيادة التقنية في هذا المجال. وأوضحت أن «ضوابط ومعايير الأمن السيبراني الصادرة عنها عززت أمن وموثوقية الفضاء السيبراني في المملكة، مما كان له الأثر الإيجابي في حماية الجهات الوطنية والبنى التحتية الحساسة في المملكة»، وتتابع الهيئة التزام الجهات الوطنية بتلك الضوابط والمعايير. وأشارت إلى أنها مستمرة في المتابعة من خلال البوابة الوطنية لخدمات الأمن السيبراني (حصين)، والعمل بالشراكة مع كافة الجهات الوطنية لضمان تعزيز الأمن السيبراني الوطني بوصفه هدفاً ومقوماً أساسياً لحماية المصالح الحيوية للمملكة، والبنى التحتية الحساسة، والخدمات والأنشطة الحكومية، والجهات ذات الأولوية في القطاعين العام والخاص.
الطيران والبنوك.. آمنة
أكد البنك المركزي السعودي (ساما)، سلامة أنظمته وأنظمة المدفوعات الوطنية والبنوك في البلاد، وعدم تأثرها جراء العطل التقني، مفيداً بأنه يطبق أعلى المعايير والممارسات التشغيلية والسيبرانية المتعارف عليها عالمياً، ويعمل بشكل دوري على تحديث الإجراءات الاحترازية؛ لضمان كفاءة خطط استمرارية الأعمال والأنظمة؛ وذلك بهدف تعزيز سلامة وكفاية البنى التحتية لتقديم خدماتها بكفاءة عالية.
أما تأثر قطاع الطيران، فلم يطل الخطوط السعودية التي شددت على عدم تعرض عملياتها التشغيلية لأي أثر ناتج عما يشهده قطاع الطيران حول العالم، مشيرة إلى أن منظومة رحلاتها سارت بشكل جيد
استمرار خدمات «الموارد»
أكّدت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، عدمَ تأثر منظومة الخدمات الرقمية التي تقدمها للمستفيدين في القطاعات التي تشرف عليها؛ وهي: «العمل، والتنمية الاجتماعية، والخدمات المشتركة، والخدمة المدنية».
وأوضحت استمرار جميع خدماتها الإلكترونية بذات الكفاءة دون تأثر من العطل التقني الذي أصاب عدداً من دول العالم، مؤكدةً سلامة المعلومات والبيانات الخاصة بجميع المستفيدين من خدماتها، سواء عاملين أو أصحاب عمل أو مستفيدين من الخدمات الرعوية والتنموية.
العطل العالمي.. كيف حدث؟
الأستاذ المساعد بكلية الحوسبة ونظم المعلومات في جامعة ملبورن الأسترالية توبي موراي، أوضح، أن (كراودسترايك فالكون)، أو ما يعرف بمنصة نقطة النهاية للرصد والاستجابة، تراقب أجهزة الحاسوب التي تم تنصيبها لرصد الخروقات وأعمال القرصنة والتعامل معها، وإذا رصد (فالكون) حاسوباً مصاباً ببرامج ضارة بسبب تواصل الحاسوب مع قرصان إلكتروني، يمكن أن يحول البرنامج دون التواصل، وفي حال كان هناك عطل في (فالكون)، يمكن أن يسبب ذلك انقطاعاً واسع النطاق لسببين، الأول هو أن (فالكون) منتشر على نطاق واسع في كثير من الحواسيب، والثاني هو طبيعة (فالكون) المميزة. وتابع: «من المحتمل أن يكون انقطاع الخدمة الذي حدث بسبب تحديث معيب في (فالكون)».
وأعلنت شركة (كراود سترايك) للأمن السيبراني، أن المشكلة التي تسببت في اضطرابات كبيرة حول العالم، وأدت إلى تعطل الخدمات ليست حادثاً أمنياً أو هجوماً إلكترونياً.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة (كراود سترايك) جورج كورتز، في منشور عبر منصة (إكس): «إن هذا ليس حادثاً أمنياً أو هجوماً إلكترونياً. وقد تم تحديد المشكلة»، ودعا العملاء إلى زيارة الموقع الإلكتروني للحصول على آخر التحديثات.