مسكينة فلسطين، ومسكين الشعب الفلسطيني المحاصر داخل حدود الجحيم منذ عشرات السنين، يعاني الأمرين من كيان صهيوني همجي محتل، ووكلاء عن القضية الفلسطينية مختلفين في كل شيء، يتقاتلون فيما بينهم على الهوامش، بينما العدو يقضم كل يوم أرضاً جديدة ويريق المزيد من دماء الشعب المنكوب.
فجأةً ودون مقدمات، ظهر خبر من الصين يفيد بأن حركتي فتح وحماس و12 فصيلاً آخر أعلنوا اتفاقاً في بكين على إنهاء الانقسام يمثل فرصة للسلطة الوطنية بقيادة الرئيس محمود عباس لتأكيد الشرعية، وكذلك «مظلة» لحركة «حماس» لمواصلة دورها بعد الحرب في غزة، وأن المشاركين في مؤتمر بكين توصلوا إلى اتفاق ينص على «تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل الفلسطينية وبقرار من الرئيس عباس».
تخيلوا أولاً أن أكثر من 12 فصيلاً بالإضافة إلى فتح وحماس يدعون مسؤوليتهم عن القضية الفلسطينية، كلٌ بطريقته وفكره، ومصالحه طبعاً، هذا هو الحال منذ بداية قضية فلسطين، العدو يمزقها من جانبه والمحامون عنها من التنظيمات والفصائل يساعدونه بسوء أدائهم وخلافاتهم الدائمة. 12 فصيلاً كل واحد يرى نفسه صاحب الحق في تبني القضية والحديث باسمها، ومن يخالفه فليس ثمة سوى الرصاص لغةً للحوار.
اعترف العالم بالسلطة الفلسطينية لكنها واجهت تعنت إسرائيل والفصائل السياسية الفلسطينية، وحدثت الضربة القاصمة عندما انقلبت عليها حماس واستقلت بقطاع غزة وخرج ولاؤها من المحيط العربي لصالح أجندة إقليمية معروفة، لتفسح المجال لإسرائيل في اختلاق الذرائع، حتى جاءت الكارثة الأخيرة بشن حرب ضروس على غزة بلغ ضحاياها إلى الآن أكثر من 30 ألفاً من المدنيين، وتهجير أكثر من مليونين في أسوأ ظروف إنسانية، بينما حماس تناور بالمأساة للتفاوض غير عابئة بعذابات البشر، وتعطي إسرائيل ذرائع لتعميق الجحيم على الفلسطينيين.
حسناً، هل نتفاءل باتفاق بكين؟ الغالبية من المتابعين لا يحدوهم أمل كبير أن هذا الاتفاق سوف يستمر ويصمد، استناداً إلى تجارب الماضي البعيد والقريب. هناك اختلاف جوهري بين هذه الفصائل وأبرزها حماس والسلطة الفلسطينية الشرعية لناحية طبيعة الحلول وآليات تنفيذها، المستفيد الأكبر منها إسرائيل. المملكة تقود الآن جهوداً عالمية حثيثة لوقف العدوان الإسرائيلي وإنقاذ شعب غزة وتفعيل القرارات الدولية بشأن حل الدولتين، وهناك تعاطف واسع مع قضية الفلسطينيين، ولكن هل تكون هذه الفصائل جزءاً من الحل باتفاقها المأمول، أم تعود غداً لهدم كل ما تم إنجازه والبدء من المربع الأول.. دعونا نرَ.