(المحاماة).. الفن الدقيق الخطير، مكتوباً كان أم منطوقاً؛ جسر المحامي إلى القاضي في محراب العدالة.. فإذا كان القاضي يوازن ويرجِّح، فالمحامي يخلق العبارات والإبداع والتكوين.. وفي ذلك قيل: «إذا كان النظام علماً، فالمحاماة فن».
يشمل هذا الفن عدة فنون: فن تطبيق النظام وعرضه، فن الجدل بالحجج والبراهين، فن العرض منسوجاً بالعلوم والمعارف، فن إنزال النصوص على الوقائع، وفن الإلقاء؛ كما جاء عن الجاحظ منذ أكثر من ألف عام في كتابه (البيان والتبيين).. إذن؛ فالمحامي في مرافعته الشفوية يعتمد على (الإلقاء) المدعوم بالحجة والبرهان.
أساطين الأدب والقانون سطروا عبر الأزمان مديحاً وإطراء في (فن المحاماة)؛ منهم:
ـ لويس الرابع عشر: «لو لم أكن ملكاً لفرنسا لوددت أن أكون محامياً».
ـ رئيس مجلس القضاء الأعلى الفرنسي دوجيسو: «المحاماة عريقة كالقضاء، مجيدة كالفضيلة، ضرورية كالعدالة، هي المهنة التي يندمج فيها السعي إلى الثروة مع أداء الواجب، حيث الجدارة والجاه ﻻ ينفصلان، المحامي يكرس حياته لخدمة الجمهور دون أن يكون عبداً لهم، تجعل المرء نبيلاً بغير ولادة، غنياً بغير مال، رفيعاً من غير حاجة إلى لقب، سعيدا بغير ثروة».
ـ المفكر الفرنسي فولتير: «كنت أتمنى أن أَكون محامِياً، لأَن المحاماة أجمل مهنة في العالم، فالمحامي يلجأ إليه الأغنياء والفقراء على السواء، َومن عملائه الأمراء والعظماء، يضحي بوقته وصحته وحتى بحياته في الدفاع عن متهم بريء أو ضعيف مهضوم الحق».
ـ عبدالرزاق السنهوري (أحد أعلام القانون العرب): «المحاماة فن الحجة والجدل والبرهان والإقناع، فقد كان رواد الفلسفة محامين؛ بما يملكون من حجج ولغة عالية ونظرة ثاقبة، وكثير من الشعراء كانوا محامين؛ بما يمتلكون من أدوات اللغة والبلاغة والفطنة، فليس عمل المحامي الفصل في النزاع إنما هو عمل القاضي، ليس من عمل المحامين قلب الثوابت أو تظليل الحقائق»، وأضاف: «المحامي وسط كل ذلك يجب أن يكون محافظاً على هدوئه وصفاء تفكيره، ولديه نواصي اللغة والحجة والبرهان»، مختتماً بالحكمة: «كن إنساناً قبل أن تكون محامياً».