خلال الأزمات والأحداث المهمة، يتركز اهتمام الإعلام على الدول لمعرفة مواقفها، ورصد طريقة تعاملها، وتحليل خطابها، لمحاولة استخلاص توجهاتها. هناك دول تتيح للإعلام والمراقبين والمحللين فرصة الاجتهاد الذي قد لا يمثل بالضرورة موقفها الحقيقي، وذلك إما بسبب صمتها أو إطلاق تصريحات أو تعليقات ضبابية ملتبسة وحمّالة أوجه، نتيجة حسابات معينة أو اختلافات في وجهات النظر بين مكوناتها السياسية، لا تتيح الاتفاق على موقف محدد واضح.
خلال هذه الأزمة المتصفة بالخطورة الشديدة التي تعيشها المنطقة منذ شهر أكتوبر العام الماضي بسبب حرب غزة، ثم التصعيد الأخير بإشعال الجبهة اللبنانية التي بدأت في جنوبه واتسعت رقعتها لتصل أجزاء كثيرة منه، أصبحت المنطقة على مفترق طرق تتطلب التعامل بما يقتضيه الوضع من وضوح تام ومواقف غير قابلة للتكهنات وأخطاء التفسير.
في المملكة لا يجد المتابع المهتم بما يجري أي صعوبة في معرفة مواقفها الحقيقية لأنها معلنة وكاملة الوضوح، وصادرة من القنوات الرسمية المخولة بذلك. نحن لا نتحدث عن المواقف التأريخية الثابتة تجاه قضية فلسطين منذ نشأتها، ولا عن نهجها السياسي بشأن الأزمات المتناثرة التي استجدت في المنطقة حديثاً، أو فلسفتها في العلاقات مع الدول المبنية على مبادئ ترسيخ السلم والاستقرار وحل النزاعات بالجهود الدبلوماسية، وإنما نتحدث عن التعاطي مع الأزمة الأخيرة التي تنذر بتداعيات غاية في السوء إذا لم تتم الإحاطة بها.
مواقف المملكة منذ بداية الأزمة ومع أي مستجدات فيها نجدها في البيانات الرسمية الصادرة من وزارة الخارجية، وفي الجزء السياسي من بيانات اجتماعات مجلس الوزراء الأسبوعية، وكذلك في كلمات وتصريحات سمو وزير الخارجية في المحافل الدولية والمؤتمرات الصحفية واللقاءات الإعلامية. لا توجد جهات أخرى مخولة بذلك، وبالتالي لا يوجد مجال للمزايدة على مواقف المملكة الرسمية، أو ادعاء مواقف مختلقة منسوبة كذباً إليها.
المملكة تسعى بكل ثقلها وعلاقاتها وإمكاناتها لمنع انفلات الزمام واتساع دائرة الحرب، وتعمل بإخلاص مع كل الأطراف المعنية إقليمياً ودولياً لتطويق الأزمة وإنهائها، أي أنها لا تحمل أجندة خفية أو نوايا مخبأة، وهذه هي سياستها الدائمة التي جعلتها دولة محترمة وموثوقة.