بهدوء وسلاسة انتهت الانتخابات التشريعية في بريطانيا بعودة حزب العمال إلى واجهة الحكم بعد غياب 14 عاماً، وتحقيقه فوزاً ساحقاً على حزب المحافظين، ليتم رسمياً تنصيب زعيم الحزب كير ستارمر رئيساً للوزراء، وفي الوقت ذاته أعلن رئيس الوزراء السابق ريشي سوناك في بيان مقتضب هزيمة حزبه وتحمله للمسؤولية، وغادر 10 داوننغ ستريت عائداً إلى منزله.
تابع العالم كله انتخابات بريطانيا عبر شاشات التلفزة، ولم يشاهد عنفاً أو فوضى أو ابتذالاً في لغة المتنافسين، أو خروجاً على الأعراف والتقاليد العريقة لديموقراطية وستمنستر. كانت الحياة العامة في كل أنحاء بريطانيا تمضي كالمعتاد رغم سخونة الانتخابات، ذهب الناخبون ليمارسوا حقهم الوطني دون مسيرات وهتافات وطبول وزمر وإغلاق الشوارع ومداخل الأحياء، ولم يتشاتم المرشحون أو يخوّنوا أو ينتقصوا من وطنية بعضهم البعض، لقد تجسد المعنى الحقيقي لمصطلح «التداول السلمي للسلطة»، ذلك الذي تكتبه كثير من الدول في دساتيرها لكنها تعطله ولا تعيره اعتباراً، بحيث لا يتم التغيير إلا بحدوث كوارث وطنية وعنف شديد تدفع الأوطان ثمنه، ويعود بها إلى الوراء أو يعطلها. لا يحدث ذلك فقط في النماذج المشوهة للجمهوريات التي تحكم فعلياً بشكل دكتاتوري متسلط، وإنما -بشكل أو بآخر- في بعض الدول المحسوبة تأريخياً على الديموقراطية.
ولأننا في عام انتخابي استثنائي قارنوا ما حدث في بريطانيا بما يحدث في أمريكا، الدولة التي استقلّت منها ووضع لها الآباء المؤسسون دستوراً عظيماً، وشهدت عبر تأريخها تجارب ديموقراطية حضارية في الانتخابات، قارنوا ذلك بما يحدث الآن في المسيرة الانتخابية بين الرئيس الحالي الطامح لولاية ثانية والرئيس السابق الطامع للعودة، من فضائح ودسائس وتلاسن وتشكيك واتهامات خطيرة.
انتهت الانتخابات البريطانية وقبِل الجميع بنتيجتها، ولم يخرج الخاسر ليشكك فيها ويطعن في نزاهتها، انتهى كل شيء بسلام ليبدأ الحزب الفائز في ممارسة عمله الوطني وفق عقيدته السياسية وفكره وبرنامجه. لا شيء ثابت في السياسة، والثابت فيها هو التغيير، والاستفادة من تجارب التغيير، وهكذا تفعل الدول التي تراكمت لديها التجربة الديموقراطية الصحيحة، ووصلت حداً من النضج يجعل انتخاباتها تمضي كما مضت في بريطانيا.