قرائي الأعزاء؛ سأكون اليوم كريمة وسخية جداً معكم، حتى لا تسول لكم أنفسكم الأمارة بالسوء وتعتقدون أنني بخيلة لا سمح الله معكم.
فالبخل صفة ذميمة، والشخص البخيل مكروه من جميع الناس ما عدا أشباهه الذين لا يصرفون القرش إلا بطلوع الروح، ويحسبون كل ريال داخل وخارج من حساباتهم.
فالبخيل همه وشغله الشاغل وهوايته هي جمع الأموال وتكنيزها دون صرفها حتى على مستلزماته الشخصية والحياتية الضرورية، ولا أدري متى يستفيد منها في حياته ويتمتع بها قبل مماته!
ورغم أني لا أحب أن أَنصح أو أُنصح؛ لكني أريد أن أقول لكل شخص بخيل ومحروم و«عاض على قريشاته» أستمتع بمالك في حياتك قبل أن تموت و«تفطس» وحيداً لأنك لن تأخذ «حساباتك البنكية» معك!
ولن تكون أيضاً بعيداً عن رجل بخيل كان يجمع أمواله ولا يصرفها، وقبل وفاته قال لزوجته: «عندما أموت أريدك أن تأخذي كل أموالي وتضعيها في النعش لأني أريد أن آخذها معي إلى الآخرة، وحصل على وعد من زوجته بذلك».
وعند وفاته، وفت الزوجة الوفية الأصيلة بنت الأصول بوعدها له، فكتبت له شيك بكامل المبلغ ووضعته بجانبه «بنت أبوها».
وبما أن الشيء بالشيء يُذكر؛ جاءتني قبل عدة أيام صديقة تطلب النُصح والمشورة، فقد خُطبت لشخص غريب الأطوار نوعاً ما، وقالت لي: لا أدري إن كان حريصا أو بخيلا!
فقلت لها: احكي لي يا شهرزاد، فقالت: تخيلي! في أول مرة خرجنا فيها لتناول العشاء في أحد المطاعم طلب تقسيم الفاتورة بيننا من «باب المساواة» بين الرجل والمرأة، وقال لي إنه يؤمن بذلك. فقلت لها: يا سلام، وغيره؟
فقالت: وأثناء تناولنا لطعام العشاء تحدث معي عن ضرورة الاحتفاظ بالمال، وأن كثرة الذهاب للمقاهي والمطاعم هذه من باب الإسراف والتبذير. فقلت لها: يا مرحبا، وغيره؟
فقالت: وبعد العشاء حاولت أن أطلب قهوة، ولكنه رفض وحاول إقناعي أنها سوف تسبب لي أرقاً ولن أستطيع النوم بسببها فوافقت على مضض. فقلت لها: «حنون الملعون»، وغيره؟
فقالت: كان يوم ميلادي يا ريهام ولكنه أرسل لي رسالة تقول:
«لن أهديكِ ذهباً فـ انتي أغلى، ولن أهديكِ ورداً فـ انتي أحلى، سوف أهديكِ عُمري وياريته يسوى».
ثم بدأ يتحدث عن أن المال ليس سبباً للسعادة إطلاقاً، وأن الهدايا ليست بقيمتها المادية.
وبعدها سألتني بمنتهى الغباء، ما رأيك؟
فقلت لها: «حُطي رجلك» يا عروسة.
في الواقع؛ الشخص البخيل عدو نفسه، فهو محروم ومذموم، لا يستطيع إسعاد نفسه، ولا يستطيع إسعاد من يستحق من حوله وأهله، يجمع ليسد جشعه، وسوف يعيش ويموت وهُو «مُفلس» حتى ولو كان صاحب ملايين.
وعلى كل حال؛ اللهم باعد بيننا وبين البخلاء كما باعدت بين المشرق والمغرب.
وإبراءً للذمة يا أحبائي؛ كنت أمشي اليوم ووجدت ظرفاً ملقى على الأرض مكتوباً عليه 1000 ريال، أخذته وفتحته ولكني للأمانة وجدت فيه 950 ريالاً فقط لا غير.
وعموماً لم أهتم كثيراً للأمر، وعزمت يومها صديقتي على «أطلق» مكان يعمل «فول وتميس»، وفطرنا واتقهوينا وعيّنا من الله خير، لكني وبمنتهى الصراحة ومن منبري هذا أود أن أسأل صاحب المبلغ المفقود:
فين الخمسين الباقية يا بخيل؟