أجدني أحياناً راغباً في الغوص قليلاً في أعماق الكتب التاريخية بحثاً عن الزعامات الوطنية التاريخية التي استطاعت أن تبني حضارات شامخة وأن تمضي بشعبها إلى مصاف الدول المتقدمة، كما تحضرني أيضاً في المقابل الرغبة في التوسع في القراءة بعض الشيء عن تلك الدول التي انهارت من الداخل قبل أن تنهار بفعل عوامل الاستعمار الخارجي بسبب حمق وأنانية زعمائها، فمن يبني الدول ويهدمها هم قادتها والقائمون على حكمها، والمتتبع للتاريخ يمكنه بسهولة تحديد تلك الدول التي سقطت ضحية الاحتلال الخارجي بسبب تذمر شعبها من زعمائه الطغاة، فتخلت عن مقاومة المحتل اعتقاداً منها أن مساوئ المحتل قد تكون أقل وطأة من ظلم الديكتاتور الذي يحكمها، واعتبرت أن دفاعها عن وطنها ما هو إلا محاولة يائسة منها لترسيخ حكم الطاغية الذي كره شعبه فكرهوه.
من الملاحظ تاريخياً أن السبب الرئيسي بل والجوهري الذي دفع العديد من الدول لتنطلق في ركب الأمم المتقدمة هو إيمان شعوبها بقائدها إيماناً حقيقياً، وشعورها بأن دفاعها عنه يعني دفاعها عن وطنها بأكمله، فهذا القائد يجسّد أحلام الشعب، ولدى جميع الشعوب القدرة على التمييز بين القائد الوطني الحريص على موارد بلده وتجنيب مواطنيه موارد التهلكة، وبين الزعيم الذي لا يرى في الزعامة سوى فرصة سانحة لتحقيق أطماعه ونزواته الحمقاء.
بنظرة موجزة للقيادة السعودية الحكيمة منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز ومن بعده أبناؤه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله وسلمان، نلاحظ على نحو ملموس أن مصلحة ورفاهية المواطن السعودي كانت محور اهتمام كل منهم، وبفضل الله ثم بفضل جهودهم الحثيثة تحولت الصحارى الشاسعة القاحلة إلى مدن ذكية صديقة للبيئة وخالية من الأوبئة والأمراض، تحتضن على ترابها أفضل المرافق التعليمية والصحية وشبكات النقل الذكية المتطورة.
مما لا شك فيه أن الشغل الشاغل لقيادة المملكة هو حماية الشعب السعودي من أي خطر يتهدده، وكثيرة هي الأحداث التي تعرضت فيها المملكة للتهديد المباشر أو غير المباشر من قبل العديد من الأطراف، ولعله من الصعوبة بمكان أن ندرك نحن (كمواطنين) حجم جميع الجهود الدبلوماسية الحثيثة ومقدار الإنفاق المالي السخي الذي تبذله القيادات السعودية لحماية مواطنيها من أية أخطار محتملة، ففي الوقت الذي نجد فيه المواطن آمناً في بيته متمتعاً بكافة مقومات الحياة الكريمة، كانت قيادة المملكة تسهر وتعقد الاجتماعات المتتالية لتبعد عن مواطنيها شبح الأخطار، ومن المؤكد أننا لا نحتاج إلى استحضار الكثير من الأمثلة للتدليل على صحة ذلك، فمجرد استعراض أحوال بعض الدول العربية في الوقت الراهن يؤكد لنا أن الأمن والاستقرار الذي ننعم به ليس وليد الصدفة أو نتيجة لأية قرارات عشوائية غير مخطط لها مسبقاً، فما ننعم به بفضل الله حالياً ما هو إلا خطط يشرف عليها الملك سلمان وولي عهده الأمير الشاب محمد بن سلمان.
من المؤكد أن التحريض من الخارج لشعب المملكة تجاه قيادته ليس بالأمر الجديد أو حتى حدث يستحق المناقشة، ومن الملاحظ أنه يتخذ أحياناً كثيرة صوراً مباشرة وفجّة، تماماً كما فعل دكتاتور العراق السابق صدام حسين عقب غزوه للكويت عندما عمد في إحدى خطبه لتحريض شعب المملكة للتمرد على قيادته، غير أن رد الفعل الذي تلقاه النظام العراقي وقتئذٍ هو مسارعة الشعب السعودي للانضمام إلى مراكز التطوع ذوداً عن تراب وطنه ورداً على الغزو الخسيس للكويت الشقيقة، وهو ما تكرر خلال ما يطلق عليه بثورات الربيع العربي، التي دفعت الشعب السعودي بأكمله للالتفاف أكثر حول قيادته ضد أي شغب قد يمس أمن الوطن أو المواطن.
غير أنه على الرغم من مرور السنين وتعاقب الأزمنة إلا أن أزلام الفتنة في الوقت الحالي لا يزالون يخططون ويتربصون، وعلى الرغم من تحطم مخططاتهم الخبيثة على صخرة إرادة وحسم الأمير الشاب محمد بن سلمان الصلبة، إلا أنهم لا يزالون يتحينون الفرصة تلو الآخر لتشويه صورة شعب المملكة وقيادتها، وهم في واقع الأمر لا يملكون من الأسلحة سوى سلاح التحريض والردح على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن المواطن السعودي واعٍ ومدرك لأبعاد وحجم المخططات التي تهدف لمهاجمة وطنه، وليس من السهل تزييف الحقائق أمام ناظريه، وذلك لسبب بسيط للغاية وهو أن القيادة السعودية ترعى مصالح الشعب على أكمل وجه، فنجاح المسيرة السعودية لا يمكن زعزعته أو تهديده؛ لأن نجاح المملكة واستقرارها يكمن في معادلة يسهل تلخيصها فيما يلي: إنها تجسيد لرحلة قائد أحب شعبه فأحبوه.