كشف قانونيون وعدليون لـ«عكاظ»، أن نظام هيئة الرقابة ومكافحة الفساد الذي وافق عليه مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، منح الهيئة صلاحية إجراء تسويات مالية مع من بادروا بتقديم طلبات بذلك ممن ارتكبوا جرائم فساد. وأوضحوا في استطلاع مع «عكاظ»، أن التسويات في بعض جرائم الفساد المالي والإداري تسهم في تقليل الآثار الاقتصادية والاجتماعية وتحقق المصلحة العامة باسترداد الأموال المنهوبة إلى الخزينة العامة من خلال الأخذ بإحدى صور العدالة الرضائية الجنائية البديلة للإجراءات الجنائية العادية، وأجمعوا على أن النظام الوارد في 24 مادة ونص قانوني كفل للهيئة اتخاذ جميع الإجراءات لتوفير الحماية اللازمة لمن يُبلغ أو يُدلي بمعلومات عن أي من المخالفات الإدارية أو جرائم الفساد وفقاً للأحكام المنظمة.استرداد الأموال المنهوبة
وقال المحامي حكم الحكمي، إن النظام الجديد يمكِّن الهيئة من حفظ المال العام، وملاحقة مرتكبي جرائم الفساد ومحاسبتهم، وفصل الموظف الفاسد حال الإدانة، ويسهم النظام في تعزيز دور الهيئة في مباشرة اختصاصاتها في ما يتعلق بمكافحة الفساد المالي والإداري بكافة صوره وأشكاله، بما يسهم في حفظ المال العام والمحافظة على مقدرات الوطن ومكتسباته، وقال إن نظام هيئة الرقابة ومكافحة الفساد الجديد يجسد دعم الدولة في تطوير كافة الأنظمة والتشريعات للأجهزة المختصة بما يحقق ملاحقة مرتكبي جرائم الفساد ومحاسبتهم وفق المقتضى الشرعي والنظامي، واسترداد الأموال وعائداتها الناتجة عن ارتكاب تلك الجرائم إلى الخزينة العامة للدولة.
من جانبها، أوضحت المحامية منال الحارثي، أن النظام الجديد شدد على الاستقلال التام للهيئة، ومكّنها من خلال منحها الصلاحيات اللازمة لمباشرة اختصاصاتها وأداء مهماتها وترسيخ دورها بكل حياد، وتضمن العديد من الأحكام النظامية التي حددت فيها صور جرائم الفساد التي تختص الهيئة بمباشرتها وهي جرائم الرشوة والاعتداء على المال العام وإساءة استعمال السلطة وأي جريمة أخرى ينص على أنها جريمة فساد بناءً على نص نظامي.
لا تسقط بالتقادم
رحب المحامي هاشم مصلح، بالتطور المتلاحق في الأنظمة والتشريعات، وقال إن النظام الجديد لـ«نزاهة» حدد اختصاصات الهيئة في الرقابة الإدارية والتحقيق والادعاء الإداري وحماية النزاهة وتعزيز الشفافية والتعاون الدولي مع الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية في مجال عمل الهيئة والتحري عن أوجه الفساد المالي والإداري والتحقيق والادعاء الجنائي، وتضمن النظام الجديد أحكامًا تتصل بوحدة التحقيق والادعاء الجنائي واستقلالها، بالإضافة إلى مجلس للوحدة يُعنى بالشؤون الوظيفية لأعضاء الوحدة.
وقال المحامي سعد مسفر المالكي، إن النظام الذي أقره مجلس الوزراء أورد أحكامًا تتصل بمكافحة جرائم الفساد المالي والإداري، ومنها عقوبة الفصل من الوظيفة للموظف العام أو من في حكمه عند الإدانة بجريمة فساد وأحكامًا تتعلق بالإثراء غير المشروع وهروب المتهم إلى خارج المملكة، ومنح الهيئة صلاحية إجراء تسويات مالية، وأكد ان جرائم الفساد الوظيفي لا تسقط بالتقاعد أو الاستقالة أو الإقالة أو النقل أو الترقية.
اجتثاث الفساد من جذوره
المستشار القضائي وأستاذ القانون الدكتور يوسف غرم الله الغامدي، أكد أن حماية النزاهة ومكافحة الفساد جهد وطني متكامل يشارك فيه الجميع انطلاقا من أن الفساد خطر عام تتعين مواجهته، مشددا على أن الشفافية التي تتعامل بها هيئة مكافحة الفساد تسهم في رفع الأداء والجودة، وقال، إن الجميع شركاء في تعزيز النزاهة سواءً كان مواطنا أو مقيما أو زائرا، كما أن جميع الجهات العامة والخاصة شركاء للهيئة في تعزيز جهود حماية النزاهة ومكافحة الفساد، وأكد على مكانة وجهود السعودية على المستوى الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الفساد والتصدي له. وأورد المستشار الغامدي، جملة من الجرائم الجنائية المصاحبة والمرتبطة والمتداخلة مع قضايا الفساد لجرائم الفساد الوظيفي التي أبرزها الرشوة والتزوير والتلاعب بالأنظمة والتعليمات والتكسب من الوظيفة العامة، وسوء استخدام السلطة والنصب والاحتيال وهي جرائم فساد مرتبطة عادة بجريمة غسل أموال لإضفاء شرعية حول الأموال المكتسبة. وأوضح أستاذ السياسة الشرعية والأنظمة بجامعة الملك عبدالعزيز والخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي الدكتور حسن محمد سفر، أن الكشف عن لصوص المال العام ومحاكمة الفاسدين خطوة مهمة نحو اجتثاث الفساد الذي يعطل تنمية المجتمع لتحقيق الصالح العام لمجتمعنا الذي يستطيع بهذا التطهير أن ينمو نماءً ناصعا ونظيفا ولا مكان فيه للفساد والمحاباة والاثراء بلا سبب، مبينا أن التسوية الرضائية والمبادرة بطلب التسوية وإعادة الأموال المنهوبة إلى الخزينة العامة صورة من صور الأخذ بإحدى صور العدالة الرضائية الجنائية البديلة للإجراءات الجنائية العادية.
انخفاض قضايا الرشوة وزيادة الاختلاس
كشف موقع هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، عن تصنيف البلاغات المشمولة باختصاصات الهيئة حسب جرائم الوظيفة العامة أو المال العام للعام 2023، إذ بلغت نسبة جريمة الرشوة 58% في المرتبة الأولى، يليها استغلال النفوذ الوظيفي بنسبة 12% ثم الإثراء غير المشروع ثالثا بنسبة 7%، ثم استغلال النفوذ 5% والتزوير 3% واختلاس المال العام 3% وغسل الأموال 1% والتفريط في المال العام 1%، وجريمة تبديد المال العام 1% وأخيرا إساءة المعاملة أو الإكراه باسم الوظيفة 1%.
وبقراءة الأرقام ومقارنتها عن العام السابق 2022، تؤكد الأرقام انخفاض نسبة جريمة الرشوة التي سجلت في العام 2022 نسبة 63.2%، كما انخفضت نسبة جرائم استغلال النفوذ والتزوير وغسل الأموال وتبديد المال العام، في حين زادت نسبة جرائم الإثراء غير المشروع والاختلاس.
وشددت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، على أنها ماضية في تطبيق ما يقضي النظام بحق المتجاوزين دون تهاون، وأنها مستمرة في رصد وضبط كل من يتعدى على المال العام، أو يستغل الوظيفة لتحقيق مصلحته الشخصية، أو للإضرار بالمصلحة العامة ومساءلته حتى بعد انتهاء علاقته بالوظيفة؛ كون جرائم الفساد المالي والإداري لا تسقط بالتقادم، وأعربت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، عن تقديرها لجهود الجهات الحكومية في مكافحة الفساد المالي والإداري، ووضع السياسات والإجراءات التي تعزز من كفاءة الأداء وسرعة الإنجاز وسد منافذ الفساد، وأشادت بتعاون تلك الجهات معها، ووسائل الإعلام على ما ينشر في سبيل حماية النزاهة وتحقيق مبدأ الشفافية ومكافحة الفساد، وأعربت عن شكرها للمواطنين والمقيمين على تعاونهم في الإبلاغ عبر قنوات الهيئة المتاحة عن أي ممارسات منطوية على فساد مالي أو إداري من شأنها تقويض جهود الدولة الرامية لدعم وتعزيز مسيرة التنمية الشاملة في ظل ما تلقاه الهيئة من دعم لا محدود من القيادة لمباشرة اختصاصاتها وتأدية مهماتها بمكافحة الفساد المالي والإداري بكافة أشكاله ومستوياته.