وطنى الزاهي أقف على شاطئه الجميل الملون بألوان الطيف تمر أمواجه أمامي تحمل البشائر بخوارق المدهشات، أجدني عاجزًا عن تحرير لفظ واصف، ومعنى يقارب، وتسطير حروف تفي بالمعاني، فلا يسعفني من ذلك إلا انعقاد اللسان دهشة، واستحسان الصمت تعبيرًا.
وطن قَلَب الموازين، وغيّر المفاهيم، وحرّك الساكن، ورؤية أعادت ترتيب حياتنا وفق أسس راسخة كـ«طويق»، ومستشرفة بهمة لا ترضى إلا بالقمّة، وصاحب رؤية طموح كريم يقول لنا «نحن لا نحلم.. نحن نفكّر بواقع سيتحقّق إن شاء الله».
صحونا على خبر جميل من العاصمة الحبيبة الرياض هز مسامع الدنيا وتناقلته وكالات الأنباء توافق مع ذكرى اليوم الوطني الذي جمع شتاتنا ووحد ترابنا فأصبحنا سعودية واحدة.
نجح فريق طبّي في مستشفى الملك فيصل التّخصصي ومركز الأبحاث بقيادة الجراح السعودي الدكتور فراس خليل، وخلال ثلاث ساعات من إجراء أول عملية زراعة قلب كاملة بالروبوت في العالم، لشاب في مقتبل العمر،
(نعم على مستوى العالم)، عملية تمثل تحولاً نوعياً في الممارسات الجراحية لزراعة القلب، فلا صدر يشق ولا ضلوع تنشر ولا فترة علاج تطول ولا نوم طويل على سرير المرض، وبأقل تدخل جراحي ممكن وبألم أقل، بفتحة صغيرة تتراوح من 2 إلى 3 سم بين الأضلاع لتمرير الصمامات والشرايين وثلاث فتحات أخرى بين الأضلاع بمقدار 8 ملم لدخول أذرع الروبوت بدلاً من إجراء شق كبير في وسط الصدر كما هو الحال في الجراحة التقليدية وما يكتنفها من إطالة أمد الاستشفاء والمضاعفات والمكوث لفترة أطول في العناية المركزة وأجنحة التنويم مما يُخفّف من الألم، ويختصر من فترة التعافي، وهو عين ما هدفت إليه الرؤية وسعت إلى تحقيقه.
لا زال حديث ولي العهد محمد الخير وهو ينادي بضرورة تقليل فترة مكوث المريض في المستشفى ماثلاً أمام قيادة المستشفى تسعى إلى تحقيقه وتجعله واقعًا ملموسًا لتحسين جودة حياة المرضى وتسريع استعادة صحتهم وتحقيق وفرة اقتصادية.
هذا النجاح الكبير أتى وفق خطوات مدروسة جعلت من هذا الصرح الطبي العظيم ضمن أكبر (5) مراكز على مستوى العالم في جراحة الروبوت القلبية، وهذه مرتبة مرموقة تتقاصر دونها طموحات الكثير من مثيلاته،
نالها بعد أن تمكن من إجراء مئات العمليات الدقيقة والمعقدة للقلب بواسطة النظام الجراحي الربورتي السريري، حسب تصنيف الشركة الأمريكية لروبوتات دافنشي، مثل زراعة الشريان التاجي، استبدال أو إصلاح الصمامات المتيرالية أو الثلاثية وكذلك إصلاح الثقوب والعيوب الخلقية القلبية وإزالة الأورام القلبية، وأخيراً كي الأوردة الرئوية التي تسبب رجفان القلب.
نجاح العملية الأخيرة وتفرد السعودية بها يدل بوضوح على مكانتها وريادتها في مجال الرعاية الصحية، وقدرة المستشفى التخصصي على ابتكار ممارسات طبية تعزز نتائج العلاج وتجربة المريض.
أجرى العملية طبيب سعودي من أشهر الكفاءات العالمية في استخدام الروبوت لعمليات القلب، من ضمن 3 جراحين اختارتهم الشركة المصنعة لروبوتات دافنشي «الروبوت الجراح» لتدريب الأطباء حول العالم على استخدام تقنية الروبوت في عمليات القلب المفتوح، والجراحات الدقيقة والمعقدة. ونظراً لمهارته وقدرته أختير لكتابة القواعد والأُسس لعلاج أمراض القلب، وفشل القلب الصناعي، وحقق نجاحًا تامًا في إجراء أكثر من 200 عملية باستخدام الروبوت.
نعيش عهدًا تتطابق فيه الشعارات مع الأفعال، والنظريات مع التطبيق، والهمة المتوثبة مع القمة الشاهقة، فلا بد لنا أن نستشعر هذه الروح الوثابة، والطموح الذي لا يعرف المستحيل. فتتفجّر الطاقات، وتشحذ الهمم، وتستنفر الطاقات الكامنة، والغاية رفعة هذا الوطن، ليصبح رمزًا للأمم، وسارية في المحافل الدولية.
يؤكد الدكتور ماجد الفياض، الرئيس التنفيذي للمستشفى بأن هذا الإنجاز يعتبر تطورًا مهمًا في عمليات زراعة القلب، منذ اللحظة التاريخية التي شهد فيها العالم إجراء أول عملية زراعة قلب في ستينات القرن الماضي إلى نجاح أول عملية زراعة قلب باستخدام الروبوت يمثّل تحولاً، ليس في مسيرة (التّخصصي) فقط، بل في مسار المملكة أيضاً نحو الريادة العالمية في الطب التخصصي، بما يتماشى مع (رؤية 2030) التي تضع الابتكار في صميم جهودها لتحسين جودة الحياة.
إن ما تحقّق اليوم من إنجاز نوعي لم يكن ليتحقق لولا الدّعم المتواصل من قيادتنا التي جعلت تطوير القطاع الصّحي في صدارة أولوياتها، ومهَّدت الطريق لتحقيق نقلة نوعية في مستوى الخدمات الصحية، وفتح آفاقٍ جديدة لتحسين جودة حياة المرضى محليًا ودوليًا.
إن للرؤية رجالها الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، معانٍ يستشعرها هؤلاء الرجال لإنزال الرؤية ومقاصدها على أرض الواقع.
فالرؤية ليست أحلامًا بلا ساق بل هي بوصلة لضبط واقع أيامنا تذهب بنا باتجاه البناء والتطوّر والنماء، لتفجير الطاقات، وشحذ الهمم، واستغلال الموارد كأحسن ما يكون الاستغلال، للوفاء بمتطلبات التحديات المقبلة في مسيرة التطور والنمو بلا سقوف أو حواجز، وبطموح يعلو فوق كل مستحيل.
برؤية قَلَبت الموازين، وغيّرت المفاهيم، وحرّكت الساكن، وأعادت ترتيب حياتنا وفق «رؤية» طموحة لا ترضى إلا بالقمة.