من الجيد أن نحظى بمجتمع يتحقق فيه التكافل بحيث يعي كل فرد دوره تجاه غيره، فحقٌّ على الصحيح أن يساند المريض، والغني يعطي الفقير، والكبير يعطف على الصغير، كما أن أفراد الأسرة لهم حقوقٌ؛ القيامُ بها مكفول، والتملص منها مذموم.
إنما العطاء الذي يأتي من الأباعد أعظمُ في نفوسنا، وأثقلُ علينا، وقد يَشُقُّ علينا رده، فإذا أتى من كريم الخصال الذي لا يبغي من خلفه منفعة أو تباهياً فذاك هو الجَوَادُ الكريم، وإذا أتى من لئيم الطبع فتلك قيود لا تنفكُّ بالشُّكر، ولو أحسنت إليه مراراً ظل يردد ما كان فضله عليك بالأمس دهراً، وإذا بلغت ما بلغت بجهدك، ظن أن ذلك بفضله.
وصحيح، أن الناس للناس ما دام الوفاء بهم، والمرء لا يطيق إنجاز جميع شؤونه بنفسه؛ لكن حاول ما استطعت ألا تسأل أحداً في أمرٍ إلا في حدود ضيقة جداً؛ فعطاء الناس مُؤذٍ، وخدماتهم يعقبها نظير، فقلّما تجد عطاءً بغير مِنَّة، ومساهمةً دون طائلة.
ومن زاويتي؛ فقد وجدت أن الذين يطلبون مساعداتٍ لا حدَّ لها من الغير هم عديمو المسؤولية، عِبءٌ على المجتمع، وآفةٌ على ذويهم، إنهم لا يُكلِّفون أنفسهم بشيء ويطلبون ممن حولهم كل شيء، وإذا استُنجد بهم أحد تثاقلوا وتهاونوا.
ومن هنا؛ فإنني لا أدعو إلى انقطاع الناس عن بعضهم، إنما إلى الاتزان في الطلب والمبادرة في العطاء، ولتفادي طلب المساندات اللامتناهية من الآخرين، وتحقيق مبدأ الاعتمادية على الذات، اعتنِ بالتخطيط في جُل أمورك وأبسطها، حاول تكراراً في حلِّ ما أُشكل عليك، تفقَّد الثغرات، قوِّم محاولاتك، واجعل خيار الاستعانة بالغير آخر الخيارات وأندرها.
فمن الوارد أن يُنكِر أحدهم فضلك عليه، ولكن لا تجعل من ذلك منزلقاً لك إلى وحل المِنّة فتُفسد إحسانك، وتُقلِّص عطاءك، وتذكر أن الفضل فضلُ الله، واحمد الله تعالى أن جعلك سبباً لقضاء حوائج الناس؛ فتلك فضيلة ومَكرُمة.
ختاماً، المعروف بين الناس باقٍ ما بقيت النفوس الطيبة التي تزدهر بالعطاء، وتفرح بالدعم، وتُسرِع بالغوث، فقد وصّى صلى الله عليه وسلم بإعانة ذي الحاجة الملهوف، فتلك من أنبل سِيم المؤمن، فانتقِ من بين الناس عوناً لك، وابتعد عن سؤال ذميم الخصال تسلمْ.