تكسير عظام واكتساح أسواق للفوز بالكعكة الكبرى من الثروات يمارسها محتكرون؛ للسيطرة على سلعة ما، والتحكم في حركة أخرى ويدفع ثمنها المشترون والمستهلكون. هو سلوك مجافٍ ومخالفة جسيمة يتورط فيها الباحثون عن الثراء في ضرب واضح لأخلاق المهنة دون مراعاة للمجتمع، والهدف هو خدمة أغراضهم التوسعية والهيمنة، لكن الأجهزة المعنية تواجه هذا السلوك بالحسم والردع، وسنت عقوبات رادعة بحق مرتكبيه فأصدرت الهيئة العامة للمنافسة، أخيراً، عقوبات بحق ثماني منشآت عاملة بقطاع تعبئة وتوزيع المياه، لاتفاقها على عدم المنافسة في الأسعار وتقاسم العملاء في السوق.
وأكدت الهيئة، إنه بناءً على المؤشرات الأولوية لاحتمال مخالفة عدد من المنشآت النظام ولائحته التنفيذية من خلال الاتفاق على عدم المنافسة في الأسعار، وكذلك الاتفاق على تقاسم العملاء فيما بينها، وهو ما تحظره الفقرتان 1 و6 من المادة الخامسة من النظام، فقد أصدر مجلس الإدارة، قراره بالموافقة على اتخاذ إجراءات التقصي والبحث وجمع الاستدلالات والتحقيق، وبيَّنت الهيئة أنه بعد جمع الأدلة، أحالت الهيئة المخالَفة إلى لجنة الفصل في مخالفات نظام المنافسة، وأصدرت الأخيرة قرارها بمعاقبة ستة مصانع للمياه، بعد ثبوت انتهاك نظام المنافسة.
وتضمن القرار إيقاع غرامة مليون ريال على أحد المصانع، مع نشر القرار على نفقته، وغرامة مالية 100 ألف ريال على كل منشأة من المنشآت الأخرى مع نشر القرار على نفقتها.
وشددت الهيئة، على أن القرار أصبح نهائياً بصدور أحكام محكمة الاستئناف الإدارية بالرياض برفع الدعوى المقامة من المنشآت المتظلمة من القرار الصادر بحقها، ولفوات مدة الطعن من المنشآت التي لم تتظلم على القرار خلال المدة المنصوص عليها بالفقرة (3) من المادة الـ(18) من نظام المنافسة.
وأوضحت الهيئة العامة للمنافسة، أنه بناءً على المؤشرات الأولية لاحتمال قيام عددٍ من المنشآت بمخالفة نظام المنافسة ولائحته التنفيذية من خلال التواطؤ في عروض المناقصات والمزايدات، وهو ما تحظره الفقرة (7) من المادة (الرابعة) من نظام المنافسة.
قانوني: نظام المنافسة يمنع الاحتكار ويردع المخالفين
أكد المستشار القانوني المحامي عبدالعزيز بن دبشي، أن نظام المنافسة حظر ممارسات عدة تسهم في احتكار السلع والإخلال بالمنافسة العادلة، وحظرت المادة السادسة على المنشأة أو المنشآت، التي تتمتع بوضع مهيمن في السوق أو جزء مهم منه، إساءة استغلال هذا الوضع للإخلال بالمنافسة أو الحد منها، ومن ذلك بيع السلعة أو الخدمة بسعر أقل من التكلفة الإجمالية؛ لإخراج منشآت من السوق أو تعريضها لخسائر جسيمة، أو إعاقة دخول منشآت محتملة.
ومنها تحديد أسعار أو شروط إعادة بيع السلع أو الخدمات، أو فرضها، وتقليل الكميات المتاحة من المنتجات أو زيادتها؛ لأجل التحكم بالأسعار وافتعال وفرة أو عجز غير حقيقي، والتمييز في التعامل بين المنشآت في العقود المتشابهة بالنسبة إلى أسعار السلع وبدل الخدمات أو شروط بيعها وشرائها.
ومن المحظورات، رفض التعامل مع منشأة أخرى دون سبب موضوعي، من أجل الحد من دخولها السوق، أو الاشتراط على منشأة الامتناع عن التعامل مع منشأة أخرى، وتعليق بيع سلعة أو تقديم خدمة بشرط تحمّل التزامات أو قبول سلع أو خدمات تكون بطبيعتها، أو بموجب الاستخدام التجاري، غير مرتبطة بالسلعة أو الخدمة محل التعاقد أو التعامل الأصلي.
مضاعفة العقوبة في حالة العود
كشف بن دبشي أن النظام يعاقب كل من يخالف أحكام المواد (الخامسة، والسادسة، والسابعة، والحادية عشرة) من هذا النظام بغرامة لا تتجاوز 10% من إجمالي قيمة المبيعـات السنوية محـل المخالفة، أو بما لا يتجاوز 10 ملايين ريال عند استحالة تقدير المبيعات السنوية. وللجنة -في حالات تقدرها- الاستعاضة عن ذلك بإيقاع غرامة لا تتجاوز ثلاثة أضعاف المكاسب التي حققها المخالف نتيجة المخالفة
ويعاقب من يخالف أي حكم من أحكام المادة الـ(16) من النظام بغرامة لا تتجاوز 5% من إجمالي قيمة المبيعات السنوية، أو بما لا يتجاوز (خمسة ملايين ريال) عند استحالة تقدير المبيعات السنوية.
إن عاد المخالف لارتكاب مخالفته؛ فللجنة أن تضاعف الغرامة المحكوم بها في المرة الأولى، ويُعد المخالف عائداً في حال ارتكاب المخالفة نفسها قبل مضي مدة (ثلاث سنوات) من تاريخ صدور القرار بالمخالفة الأولى، وينشر القرار الصادر بالمخالفات الواردة في هذه المادة على نفقة المخالف في صحيفة محلية تصدر في مقر إقامته، أو في أي وسيلة إعلامية أخرى مناسبة، على أن يكون النشر بعد اكتساب الحكم الصادر في شأنه صفة القطعية، أو بعد أن يكون القرار نهائياً.
تقييد للتجارة وإخلال بالمنافسة
في حالة أخرى لمحتكرين كشفت الهيئة العامة، أنه بعد جمع الأدلة والمعلومات وإجراء التحقيقات اللازمة، ثبت قيام شركتين هندسيتين للاستشارات بمخالفة نظام المنافسة، وصدر قرار معاقبتهما لثبوت انتهاكهما للفقرة (7) من المادة (الرابعة) من نظام المنافسة، التي نصت على الآتي: «تُحظر الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود بين المنشآت المتنافسة أو تلك التي من المحتمل أن تكون متنافسة سواءً كانت العقود مكتوبة أو شفهية، صريحة كانت أم ضمنية، إذا كان الهدف من هذه الممارسات والاتفاقيات أو العقود أو الأثر المترتب عليها تقييد التجارة والإخلال بالمنافسة بين المنشآت». ونبهت الهيئة إلى الحظر على المنشأة أو المنشآت التي تتمتع بوضع مهيمن، أي ممارسة تحد من المنافسة بين المنشآت؛ وفقاً للشروط والضوابط المبينة في اللائحة، خصوصاً ما يأتي: التأثير في السعر الطبيعي لعروض بيع السلع والخدمات أو شرائها أو توريدها سواء في المنافسات أو المزايدات الحكومية أو غير الحكومية.
وتضمن القرار، إيقاع غرامةٍ ماليةٍ قدرها خمسة ملايين ريال على كل منشأةٍ مع نشر القرار على نفقتها.
وتعددت حالات مخالفة السوق بهدف الاحتكار والربح المخالف بعد أن كشفت الهيئة عن إرشاد المؤشرات الأولية احتمال قيام إحدى المنشآت المهيمنة بمخالفة نظام المنافسة ولائحته التنفيذية من خلال قيامها بسلوك يؤدي إلى عرقلة دخول منشأة أخرى إلى السوق أو إقصائها منه، وهو ما تحظره الفقرة (1) من المادة (الخامسة) من نظام المنافسة.
ونجحت إجراءات التقصي والبحث وجمع الاستدلالات والتحقيق، وبعد جمع الأدلة والمعلومات وإجراء التحقيقات اللازمة، أحالت الهيئة المخالفة إلى لجنة الفصل في مخالفات نظام المنافسة. وبناءً عليه؛ أصدرت اللجنة قرارها بثبوت المخالفة ومعاقبتها لثبوت انتهاكها للفقرة (1) من المادة (الخامسة) من نظام المنافسة.
إقصاء مؤسسة من السوق
ينص النظام أنه «يحظر على المنشأة التي تتمتع بوضع مهيمن، أي ممارسة تحد من المنافسة، وفقاً لما تحدده اللائحة، ومن ذلك: بيع السلعة أو الخدمة بسعر أقل من التكلفة، بهدف إخراج منافسين من السوق»، والفقرات (2) و(3) و(6) من المادة (السابعة) من اللائحة التنفيذية لنظام المنافسة التي نصت على الآتي: «يحظر على المنشأة ذات الوضع المهيمن إساءة استغلال الهيمنة للإخلال بالمنافسة أو الحد منها أو منعها». ومن الممارسات القيام بسلوك يؤدي إلى عرقلة دخول منشأة أخرى إلى السوق أو إقصائها منه أو تعريضها لخسائر بما في ذلك اضطرارها للبيع بخسارة، ومنها فرض سعر غير حقيقي لسلعة أو خدمة، جراء قيام المهيمن بعرقلة أو الحد من أو الامتناع عن بيع السلعة أو الخدمة أو شرائها أو بأي صورة أخرى. ويعد التمييز بين العملاء في العقود المتشابهة بالنسبة لأسعار السلع وبدل الخدمات أو شروط بيعها وشرائها أو بأي صورة أخرى، من الممارسات المخالفة في نظام المنافسة.
زيادة وخفض وتثبيت
في أحد أكبر قرارات ضبط السوق وردع المخالفين، أصدرت الهيئة العامة للمنافسة، عقوبات على 14 شركة في قطاع الأسمنت؛ لاتفاقها فيما بينها على التحكم في الأسعار وتقاسم الأسواق، وهو ما يمثل مخالفة لنظام المنافسة.
وشملت القرارات إيقاع غرامات مالية قدرها 10 ملايين ريال، على كل منشأة مع نشر القرارات على نفقتها.
وذكرت هيئة المنافسة، في بيان، أنها تلقت عدداً من الشكاوى حول قيام عدد من المنشآت العاملة في قطاع الأسمنت بمخالفة نظام المنافسة ولائحته التنفيذية عبر الاتفاق فيما بينها على التحكم في الأسعار وتقاسم الأسواق، وعليه أصدر مجلس الإدارة قراره بالموافقة على اتخاذ إجراءات التقصي والبحث وجمع الاستدلالات والتحقيق.
ووفقاً لبيان الهيئة، بعد جمع الأدلة والمعلومات وإجراء التحقيقات اللازمة، ثبت قيام الشركات المخالفة بمخالفة نظام المنافسة عبر اتفاقها على رفع أسعار الأسمنت بشكل متزامن، وانتهاكها للفقرة 1 من المادة الرابعة من نظام المنافسة الصادر التي نصت على حظر الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود بين المنشآت المتنافسة أو تلك التي من المحتمل أن تكون متنافسة؛ سواء أكانت العقود مكتوبة أو شفهية، وصريحة كانت أم ضمنية، إن كان الهدف من هذه الممارسات والاتفاقيات أو المنشآت التي تتمتع بوضع مهيمن، أي ممارسة تحد من المنافسة بين المنشآت، وخصوصا التحكم في أسعار السلع والخدمات المعدة للبيع بالزيادة أو الخفض، أو التثبيت، أو بأي صورة أخرى تضر المنافسة المشروعة.
ورطة شركة أعلاف
أعلنت الهيئة عقوبة على شركة أعلاف قامت بمخالفة نظام المنافسة من خلال إساءة استغلال الوضع المهيمن، خلال التحكم في المعروض في السوق من سلعة النخالة، وقَصْر البيع على عدد محدود جدّاً من العملاء؛ ما قيَّد التجارة في السلعة، وأدى إلى التحكم في الأسعار، وهو ما تحظره الفقرة (الثالثة) من المادة (السادسة) من نظام المنافسة. وأصدر مجلس إدارة الهيئة، قراره بالموافقة على اتخاذ إجراءات التقصي والبحث وجمع الاستدلالات والتحقيق. وبعد جمع الأدلة والمعلومات، وإجراء التحقيقات اللازمة، أحالت الهيئة المنشأة إلى لجنة الفصل في مخالفات نظام المنافسة وثبت بحقها انتهاكها للفقرة الـ(3) من المادة (السادسة) من نظام المنافسة التي نصت على الآتي: «يحظر على المنشأة أو المنشآت التي تتمتع بوضع مهيمن في السوق، أو جزء مهم منه، إساءة استغلال هذا الوضع للإخلال بالمنافسة أو الحد منها. ومن ذلك ما يأتي: تقليل الكميات المتاحة من المنتجات أو زيادتها؛ لأجل التحكم بالأسعار، وافتعال وفرة أو عجز غير حقيقي». وتضمن قرار اللجنة إيقاع غرامة مالية قدرها 10 ملايين ريال على المخالف، مع نشر القرار على نفقته.
خلق أزمات مصطنعة
أكد المستشار الاقتصادي هاني الجفري، أن ظاهرة احتكار السلع جريمة اقتصادية خطيرة قد تلحق الضرر بالاقتصاد الوطني عموماً، وتساهم في رفع أسعار المواد الغذائية الأساسية؛ وهو ما يثقل كاهل المواطن، ويعيق قدرته على توفير حاجاته الأساسية وتخلق أزمات في توفير بعض السلع؛ كما شاهدنا أخيراً في أزمة البصل، ما أدى إلى ارتفاع سعره، وأعلنت الجهات المختصة والفِرق الرقابية لوزارة التجارة ضبط عمالة مخالفة؛ خزنت ثلاثة أطنان من البصل لغرض التأثير على السلعة، وافتعال نقص في وفرة الكميات، وبيعها بأسعار عالية.
وأضاف الجفري: شهدنا خلال فترات ماضية تحديث الأطر التشريعية وقواعد المنافسة في السعودية؛ حماية للمنافسة العادلة وتشجيعها، والحد من السلوك الاحتكاري في مختلف الأسواق والقطاعات، ودعم رفاهية المستهلك، وتعزيز التنوع والابتكار، وتحفيز بيئة الأعمال المحلية وتنميتها.
وأوضح أن ما نجم عن تلك التحديثات والأنظمة أسهم في ضبط السوق وتحقيق المنافسة العادلة وتشجيعها. مضيفاً: قانون المنافسة ضمَّن العديد من الأدوات التنظيمية والرقابية التي تكفل رقابة على مختلف القطاعات، وضمان بيئة ملائمة في تحديد أسعار السلع والخدمات، وفق مبادئ السوق الحرة وقواعد العرض والطلب؛ وبالتالي ضمان تدفق الاستثمارات المحلية والخارجية، وحماية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتمكينها من المنافسة.
لاتمييز بين العملاء
رائد الأعمال ماهر النعماني، أكد أن إقرار العقوبات الرادعة أسهم في مكافحة ظاهرة احتكار السلع الغذائية، التي يحاول البعض ممارستها، وقد تنبهت القطاعات المعنية وسنت لأجله قانون مكافحة الاحتكار ومنع الممارسات الاحتكارية، الذي تضم عقوباته غرامات تصل إلى 10% من إجمالي مبيعات الشركة المخالفة خلال السنة المالية محل المخالفة، بما لا يتجاوز 10 ملايين ريال، إضافة إلى التشهير على نفقتها وهو رادع لهم.
وبين النعماني، أن تشجيع المنافسة في السوق وحماية كافة المستثمرين عبر مكافحة الاحتكار، يسهم في الحفاظ على توازن الأسعار، وبالتالي توفر السلع المختلفة بشكل عادل ومستدام للمجتمع.
وشدد على أن نظام المنافسة أسهم في منع احتكار السلع، كما حقق المنافسة العادلة للجميع. مؤكداً أنها عملت للحد من أي تلاعب سعري أو تنافسي في الأسواق المحلية، والحد من رفع الأسعار والتمييز بين العملاء ومنع تقاسم الأسواق بين الشركات على أساس المناطق الجغرافية، وبعد أن تضمنت المادتان الأولى والثانية تعريفات عامة جاءت بقية المواد لتحدد الأطر الجديدة لنظام المنافسة مشيرة في المادة الثالثة إلى أن أحكام النظام ولائحته التنفيذية تسري على جميع المنشآت العاملة في الأسواق السعودية، وعلى أي أنشطة خارج المملكة ويترتب عليها آثار مخلة بالمنافسة المشروعة داخل المملكة.