ربما يتعامل معك مديرك في العمل في معظم الأوقات بأسلوب لبق وبدماثة خُلق، لكنه في بعض المرات يتعامل معك بأسلوب مختلف قليلًا يميل إلى الجفاء والغلظة. فتتساءل بين نفسك عن سبب تغيّر أسلوبه، فقد يكون بسبب أنه صدر منك خطأ ما دون أن تشعر به جعله يتعامل معك بأسلوب مختلف، أو ربما بسبب تَغّير مزاج مديرك. وهنا يصعب عليك تحديد سلوكه، خاصةً عندما تكون هناك سلوكيات متناقضة، فهل تصف سلوكه باللباقة والدماثة أم بالجفاء والغلظة؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال، فإنه من المهم أولًا معرفة أهمية ذلك، لماذا نهتم بمعرفة الوصف الصحيح لسلوك الآخرين في العمل؟
إن أهمية معرفة الوصف الصحيح لسلوك الآخرين تكمن في عدة جوانب، أذكر منها جانبين: الجانب الأول، حتى نتمكن من فهم أعمق وأدق لسلوك الآخرين والتعامل معهم بناءً على ذلك، وتكون النتيجة هنا التعامل بفاعلية. فإذا غلب على ظننا وصفًا دقيقًا لسلوك أحد الموظفين، فإننا نتعامل معه بناءً على ذلك الوصف، وهنا يُصبح التعامل أكثر فاعلية، وإذا صدر منه سلوك خلاف ذلك فإننا نعرف أن هذا السلوك سيكون مؤقتًا. ففي المثال السابق، إذا غلب على ظنك أن مديرك يتعامل معك بلباقة ودماثة خُلق، فإنك تتعامل معه بناءً على ذلك، وهنا يصبح التعامل فعّالا وناجحًا. أما ثاني العوامل أهمية لمعرفة الوصف الصحيح لسلوك الآخرين هو: حتى نتمكن من التنبؤ بسلوك الآخرين المتوقع منهم قبل حدوثه، يمكننا رسم تصور لما سيكون عليه في المستقبل. ففي نفس المثال، فإن مديرك الذي يتعامل معك بلباقة ودماثة خُلق فإنك تتوقع أنه سيتصرف بنفس الأسلوب في حال أن صدر منك خطأ في العمل غير مقصود.
الآن يمكن الإجابة عن السؤال الجوهري المُتعلق بكيف يمكننا وصف سلوك الآخرين وصفًا أقرب إلى الصحة. والإجابة بإيجاز هي مدى ثبات سلوك الآخرين رغم اختلاف المواقف، بمعنى إلى أي مدى يتصّرف الشخص بنفس الأسلوب في أوقات مختلفة. فإذا كان الشخص يتصرف بنفس الأسلوب (السلوك) في أوقات (مواقف) مختلفة فإن سلوكه هذا غالبًا ما يكون ثابتًا، وإذا وجدته يتصرف بِأساليب مختلفة في أوقات مختلفة فهذه السلوكيات ليست ثابتة لديه. ففي نفس المثال، إذا تعامل معك مديرك بلباقة ودماثة خُلق في معظم المواقف، مثل في حال توجيهك للقيام ببعض الأعمال، أو تحذيرك من عدم القيام بالبعض الآخر، أو الثناء عليك أو ذم الخطأ، فإن هذا المدير غالبًا ما يكون سلوكه اللباقة ودماثة الخُلق، فيمكنك وصفه بتلك الصفات، أما في حال أن صدر منه خلاف ذلك من سلوكيات فيُعتبر ذلك عرضيًا.
وهنا قد يتوارد إلى البعض السؤال التالي: كيف يمكننا وصف سلوك شخص ما يتغير بشكل متكرر وليس لديه نمط معين في التعامل معنا؟ في هذه الحالة المنتشرة في واقعنا العملي، نقول إنه يصعب تحديد ووصف سلوكه بدقة، لأن هذا الشخص لم يدرس علاقته معنا بشكل كافٍ، أو أنه لم يتمكن من تحليل شخصيتنا بشكل دقيق، أو أنه من نوعية الأشخاص الذين يتأثرون بكلام الآخرين عنا. في مثل هذه الحالة -الموجودة في المنظمات ونتعامل معها بكثرة- فإن الأسلوب الأنسب للتعامل معهم هو أن نكون نحن أكثر صراحةً معه، وأن نكون مبادرين بالاعتراف له في حال خطأنا، وأن نوضح له سبب السلوك الذي قُمنا به دون تبرير لأسباب ذلك. فعند قيامنا بتلك الخطوات، يبدأ الشخص في التَعّرف علينا بشكل أكبر ويستطيع تحديد السلوك المناسب للتعامل معنا. أخيرًا، علينا تجنب إصدار أحكام على الآخرين أو تصنيفهم بمجرد سلوكياتهم المتكررة.