في تويتة كتبها أحد الدعاة على منصة «X» أنقلها نصاً وشكلاً (من -ذكرياتي -في - الدعوة / تعمدت إخفاء كتاب كان يتكلم عن إباحة كشف وجه المرأة ومنعت توزيعه نهائيًا وهو لأحد طلبة الألباني حقيقة لا يمكن إخفائها).
هؤلاء الدعاة الذين خف وهجهم وانطفأت شعلة حماسهم بعد أن حصحص الحق وسادت الوسطية في المجتمع وذهبت ريح التشدد إلى غير رجعة، وسخر الله عز وجل لدينه من أعاد له سيرته الأولى بنقائه وصفائه وأصوله العظيمة.
اعترف صاحب هذه التويتة بأنه أخفى ما هو معلوم من الدين بالضرورة ليمرر بهذا الإخفاء القسري مسألته ويعضد حجته، وهذا مذموم في الدين الإسلامي ومعروف حكمه.
مثل هذا الأمر كان مشاعاً في فترة الصحوة المُنفرة ومعمولاً به من قبل بعض دعاتها الذين أخفوا الكثير من الحقائق ولووا أعناق الآيات والأحاديث الصحيحة ليعضدوا بها مسألتهم ويغروا بها العامة ويرضوا بها حاجة في نفوسهم.
مسائل شتّى في حكم الحلال والمباح حرموها دون دليل شرعي، بل حتى العادات التي الأصل فيها الإباحة حرموها وأدخلوا فاعلها النار.
كان التحريم هو سيد الموقف، وكان بابهم الذي يستندون إليه وعكازهم الذي يتوكؤون عليه هو سد الذرائع، فحرّموا الغناء والمعازف والتمثيل والسينما وقيادة المرأة السيارة والموسيقى وصوت المرأة وعملها وخروجها وتعليمها وسفرها، وتطول قائمة محرمات الصحوة حتى تصحر المجتمع وفقد كل معنى للحياة وعمارة الأرض.
أجمع رجال الصحوة على تحريم كشف المرأة وجهها واعتبروه من المحرمات التي تدخل صاحبتها النار. وقالوا إن الغطاء هو الأصل والواجب الذي لا يمكن للمرأة معه أن تكشف وجهها حتى في العبادات ودُورها. أجبروها على تغطية وجهها حتى لو فسدت عبادتها، وهو من الغلو والتشدد المنهي عنه في الإسلام، فالله أمر المرأة بكشف وجهها في الصلاة وأداء العبادات، وهذا دليل واحد من عشرات الأدلة بجواز كشف المرأة وجهها، فلا يمكن لله عز وجل أن يتعبد عباده بكشف عوراتهم وهو ما اتفقت عليه كافة المذاهب.
كشف الوجه هو من الأمور الخلافية في الإسلام، وبالتالي فلا يجوز لأحد أن يلزم الآخرين به ويفرض رأيه على بقية المجتمع، حتى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يصح في هذه المسألة؛ لأن الأمور الاجتهادية ليست محلاً للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما محلها ما كان متفقاً عليه من الواجبات والمنهيات الشرعية.
هذا الكتاب الذي اعترف بإخفائه الداعي هو نفسه الذي أنكرته الصحوة (كتاب جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة)، لمؤلفه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وليس لطالب عنده، فلا أذكر أن هناك طالباً للألباني عمل كتاباً عن إباحة كشف وجه المرأة إلا الشيخ الألباني نفسه الذي نستشهد به في أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، فنقول رواه البخاري ومسلم وغيرهما وصححه الألباني.
في مناظرة بيني وبين أحد أساطين الصحوة على إحدى القنوات الفضائية أيام سطوتهم عن موضوع الحجاب أنكر وجود هذا الكتاب، وقال «معاذ الله أن يكتب الألباني مثل هذا، فلا تكذب على الشيخ واتقِ الله».
وقد أكد الألباني في كتابه هذا بالأدلة التي بلغت أكثر من 13 دليلاً على جواز كشف المرأة وجهها، وأنه ليس بعورة، وأن هذا هو مذهب جمهور الصحابة والأئمة الكبار من فقهاء الحنابلة.
إذا تركنا الفقه جانباً وذهبنا إلى واقعهم المعيش في زمن الرسالة لوجدنا أن كل الدلائل تشير إلى أن المرأة كانت تشارك الرجل كل الأنشطة الدينية والاجتماعية ومناشط الحياة الأخرى، كانت تحارب مع رسول الله وتقاتل دونه، فهل تحارب بوجه عليه طبقات من السواد، وتعالج الجرحى، وتعمل بالتجارة وفي الزراعة، وتناقش وتسأل وترد وتدافع عن حقوقها.
وقد ولى سيدنا عمر أمر الحسبة لامرأة اسمها الشفاء، تراقب السوق وتمنع الغش التجاري. كل هذه الأمور الدنيوية لا تتفق والوجه يرزح تحت غطاء كثيف.
الأمثلة كثيرة وواقع المسلمين الأوائل لخير دليل على سماحة هذا الدين ومتانته، وآية الحجاب إنما هي خاصة بنساء النبي وليست عامة لنساء العالمين.
الاعتراف والاعتذار فضيلة إسلامية حميدة تعمل كمبضع جرّاح ماهر على إزالة مظاهر الاحتقان والألم، يعيش الإنسان بهذه الفضيلة ليكسب حب الآخرين ومودتهم يرفع بها سيئة ويحط بها خطيئة، ويغلّب المصلحة العامة على مصلحته الشخصية، وهو ما يلقي على المجتمع بظلاله من تآلف ومحبة وخير.
الاعتذار من مكارم الأخلاق، وهي فضيلة خلقت مع سيدنا آدم الذي ندم على خطيئته واعتذر فتاب الله عليه، وفي المقابل استكبر إبليس فكان من المخلدين في نار جهنم.
فهو حماية للمجتمع ووقاية له من تفشي الفتنة وسوء الظن، فكل ابن آدم خطاء وخيرهم التوابون، وقد حذّر رسول الله من الغلو في الدين وقال: «هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون». وهذا ما أثبتته الأيام، فقد كنا فين وأصبحنا اليوم فين.
والحمد لله رب العالمين.