•• اختلفت مع صديق معجون بحبه حول مقولة «القلق يخلق الإبداع»، ويبدو أنه غير مقتنعٍ بها إن لم يكن رافضاً لها.. قلت له: «القلق الإيجابي» يقودنا نحو الإبداع والابتكار، ويجلب تجديداً لحياتنا، فنشعر بالطمأنينة والاطمئنان.. فالقلق -إن كان إيجابياً- حين ينفض ريشه فوق عنق أحدنا؛ يجعل التحفيز يهدد سكينة هدوئه فيشهق شهقة إبداع.. وعند الحسم يقطف الثمرة ويكسب الجولة.
•• قلق التحفُّز ينتشر في جسد المبدع كضوء الصباح، فينير عتمة الروح بالمسرات.. قلقٌ لذيذ ساطع يسري في دم المبتكر، فيطل على جبين الوجدان وعين القلب.. قلقٌ يرتب بعثرة السكينة وفوضى الدَعَة، فيرمي عن كاهل معتنقه دهشة التلعثم.. قلقٌ يُنبت في صدر صاحبه رعشة شهية تدغدغ بدنه، فتمنحه انتصاراً على عطش المعرفة في زمن جفاف الإتقان.. قلقٌ استثنائي يتبختر بطعم الألق.
•• هناك قلقٌ خاص أنيق يظلل الروح من قسوة الزمان، وهناك قلقٌ أكثر خصوصية يصنع حكايات من سلالم المكان.. هناك قلقٌ لذيذٌ وموجعٌ حد البكاء يظل في الذاكرة، وهناك قلقٌ أكثر لذاذة يصبغ علامات بيضاء في السيرة الذاتية.. هناك قلقٌ ناضجٌ تفاصيله تلملم أحاديث نفس جادة، وهناك قلقٌ أكثر نضوجاً يُصلِح وعي البشر.. أولئك المحترقون المحترفون ذوو قيمة إبداعية أينما حلُّوا.
•• من يحلم لا بد أن يشعر بغيوم هادئة وفضاء مقمر من القلق.. ومن يقلق يجد لذة تحتل شبابيك روحه تمنحه قوة تحدٍّ أمام قسوة النهايات.. ومن يتلذذ سيتنفس حكايات الفلاح والظفر.. أما المستكين الهارب بنفسه من تعب الحياة لن يستطع مواجهة المرحلة الحساسة من منتصف عُمره.. فأولئك الذين فتحوا صدورهم أمام التثاؤب امتطوا فرساً أعرجَ للوصول، ولكن «الحكاية انتهت».