لا شيء يجبرك على التعاطف مع من يكرهك ويتمنى لك السوء، لست ملزماً عاطفياً وعقلياً بأي شيء تجاه اللئام، لست مضطراً لتجرع قطرات السم الأسود التي تنضح بها قلوب ملأتها الكراهية وعصرها الحقد تجاهك، لا تدين لهم بشيء، بل هم من يدينون لك بكل شيء منذ أن أظهرت التسامح مع إساءاتهم والنبل في تضميد جراحهم والمروءة في سد احتياجاتهم، هؤلاء اللئام لا مكان لهم في قلوبنا ولا حق لهم في عقولنا !
ما يُبقي على شعرة معاوية هو التزامنا الأخلاقي تجاه عدالة القضية ومعاناة الأبرياء المضطهدين في هذه المحنة ممن وقعوا بين مطرقة عدو غاصب لا يرحم، وسندان متاجرين بمأساته، متسلقين على جراحه، مرتهنين لأعدائه !
نراهن على الزمن ليكشف الأقنعة ويطهر القلوب ويغسل النفوس، لكن أي أمل في من لا يقرأ التاريخ ولا يرى الواقع ولا يسمع الحقيقة؟! يلاحقون الرايات السوداء ويغتسلون بالنوايا الملوثة، بينما يرجمون الرايات البيضاء ويعكرون صفو النوايا النقية !
من سوء حظ القضية العادلة أنها وقعت فريسة للضباع تتناهشها من كل جانب، ضباع لا تميز فيها أنياب العدو من مخالب الصديق، تجمعها رائحة الموت، وشراسة النهش، وشدة الألم !
لم يعد مجدياً أن نخاطب عقولاً تملكها الغباء، ولا قلوباً تملكتها الكراهية، ولا أجساداً ارتهنت لتبعية باعة الشعارات ومتاجري الأزمات، يكفي أن نترك لتجارب الحياة أن تصنع الفارق وتصحح المسار، وإن استغرق ذلك للأسف زمناً أطول وألماً أكثر !