نال الشهرة كلها ليس في المملكة فقط، بل في الوطن العربي وقارة آسيا وداخل أروقة الفيفا. لم يتكبر للحظة قط، بل استمر بتواضعه وحافظ على دماثة خلقه مع الجميع. أجزم أنه الأقل حصولاً على الإنذارات داخل المستطيل الأخضر إذا استثنينا مباراة واحده بين منتخبنا ومنتخب الإمارات الشقيق والجميع أدرك فيما بعد أن قصة ذلك الكرت الأحمر كان مخططاً لها للحد من خطورته. لم يعرف عنه الغضب أو البصق على الخصم أو تعمد الرفس أو استفزاز الجماهير مهما تعددت وسائل النيل منه وإعاقته وتعدد سقوطه أرضاً من المنافسين.
في زمنه لم يكن هناك عقود ووكلاء وسماسرة ومبالغ مليونيه. كانت مكافآت الفوز تشكل الدخل الأهم للاعبي كرة القدم فضلاً عن هدايا من هنا وهناك.
المنصات الإعلامية الحديثة مثل يوتيوب وانستغرام وغيرها لم تكن متوفرة في ذلك الوقت؛ ولذا لم نتمكن من مشاهده لإعادة أهدافه إلا عبر أشرطة الفيديو. غير أن انتشار تلك المقاطع التي تحتوي على أهدافه أصبحت اليوم عبر المنصات الحديثة من الأعلى مشاهده.
الرياضة وتحديداً ممارسة الألعاب المختلفة التي تتطلب لياقة بدنية عالية من أقصر المهن عمراً. لا يستطيع اللاعب البقاء لأكثر من 20 عاماً ثم يتوقف. ماجد عبدالله لم يكن استثناءً فقد توقف مثل غيره لكن الفارق بينه وبين الغير ولا أعمم، شاسع وناصع.
عندما نتكلم عن نجوم اعتزلوا وتركوا خلفهم سيرة عطرة في الملاعب، أستطيع ذكر بعض هؤلاء كأمثلة وليست حصراً. على رأس هؤلاء محيسن الجمعان، صالح خليفة، فهد المصيبيح، محمد الشلهوب، خالد الشنيف، سامي الجابر، عبدالله صالح، ومن القدماء خالد التركي، راشد الجمعان، أحمد عيد، عبدالرزاق أبو داوود، عبادي الهذلول، سعود جاسم وغيرهم، والقائمة تطول سواء ممن افتقدناهم أو من لا يزالون بيننا.
غير أن ما يفعله النجم الإنسان ماجد عبدالله اليوم تفوق على جميع الرياضيين مع كل الاحترام لهم. التقيت به قبل شهرين في دبي، وسألته عن موضوع قرأته حول علاقته بجمعية خيرية غير ربحية تهتم بتأمين السكن للاعبين القدماء أو عائلات الذين مضوا منهم ممن لا يملك منزلاً. الحقيقة أنني تفاجأت بالتفاصيل. ماجد بدأ بعد اعتزاله اللعب بتأسيس وإدارة جمعية غير ربحية بالتعاون مع وزارة الإسكان، تعنى بتأمين السكن لأولئك ممن لم يتوفر لهم الحظ بامتلاك المنزل. يقول إنه يشرف يومياً على نشاط هذه الجمعية التي أسّسها قبل 7 سنوات، ويتواصل مع وزير الإسكان لإتمام المطلوب ثم يقوم بتسليم مفاتيح المنزل للمستحقين. على أن هذا الموضوع أخذ يتمدد فيما بعد ليصل إلى ترميم المنازل القائمة والدعم الصحي والتعليمي وتأمين الأثاث المنزلي وحقائب التلاميذ وتوفير فرص للحج والعمرة وسداد ديون وبرامج متنوعه للتوعية. فما بدأ بتأمين بضع مئات المنازل وترميم المئات الأخرى انتهى اليوم ويستمر إلى عشرات البرامج المتنوعة الداعمة للاعبين القدماء وعائلاتهم حتى وصل عدد المهمات التي قامت بها الجمعية إلى الآلاف.
هذا العمل التطوعي يعتبر في قمة العطاء والإنسانية والوطنية. يقول ماجد إنه وقبيل اعتزاله بدأ يشاهد ويسمع عن لاعبين قدماء أما في زياراتهم لبعض الأندية أثناء التمارين أو في الملاعب لحضور مباريات وهم بحاجة لمن يقف معهم. هكذا بدأت الفكرة. بدأ يتساءل كيف يمكن مساعدتهم. هو يتحدث تحديداً عن نجوم السبعينات ومطلع الثمانينات قبل تطبيق برنامج الاحتراف. من هنا وبعد الاعتزال، وظّف سيرته المشعة داخل الملعب وحب الجماهير لفنه وأخلاقه وتقدير المسؤولين لسيرته وثقة المانحين لأمانته، وظّف كل ذلك للعمل الخيري الموجه لزملاء المستطيل الأخضر وليس لكسب المال.
القاعدة التي رغبت إلقاء الضوء عليها هنا أن سيرة اللاعب الأخلاقية أثناء ممارسته لمهنته هي التي تحكم وتقرر احترام المجتمع له بعد الاعتزال. النجومية والمهارات وحدها لا تكفي بل إنها تصبح مسؤولية اجتماعية لمن يستوعب ذلك. نصيحتي للنجوم الذين نراهم اليوم ونفتخر بمهاراتهم ونستمتع بفنهم وتقف المدرجات فرحاً بتسجيلهم الأهداف، أن يحافظوا على الأخلاق والسلوك أثناء اللعب أولاً لتبقى أسماؤهم مؤثرة فيما بعد. بعد الاعتزال سينسون الناس تلك النجومية عندما لا يقترن معها السلوك الراقي والتواضع والسيرة الحسنة والأمثلة العليا. لو لم يكن ماجد عبدالله محترماً ومحبوباً من جماهير الخصوم قبل جماهير ناديه لما استطاع أن يصل إلى هذا الإنجاز المجتمعي الرائع الذي حتماً يتفوق في قيمته الإنسانية والمعنوية على كل ما قدمه داخل الملاعب.